(
ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ) .
(
ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : قرأ
أبو حيوة : ما تكون من نجوى ثلاثة - بالتاء - ثم قال : والتذكير الذي عليه العامة هو الوجه ، لما هناك من الشياع وعموم الجنسية ، كقولك : ما جاءني من امرأة ، وما حضرني من جارية ؛ ولأنه وقع الفاصل بين الفاعل والمفعول وهو كلمة "من" ؛ ولأن النجوى تأنيثه ليس تأنيثا حقيقيا ، وأما التأنيث فلأن تقدير الآية : ما تكون نجوى ، كما يقال : ما قامت امرأة ، وما حضرت جارية .
المسألة الثانية : قوله : (
ما يكون ) من "كان" التامة ، أي ما يوجد ولا يحصل من نجوى ثلاثة .
المسألة الثالثة : النجوى التناجي وهو مصدر ، ومنه قوله تعالى : (
لا خير في كثير من نجواهم ) وقال
الزجاج : النجوى مشتق من النجوة ، وهي ما ارتفع ونجا ; فالكلام المذكور سرا لما خلا عن استماع الغير صار كالأرض المرتفعة ، فإنها لارتفاعها خلت عن اتصال الغير .
ويجوز أيضا أن تجعل "النجوى" وصفا ، فيقال : قوم نجوى . وقوله تعالى : (
وإذ هم نجوى ) والمعنى ، هم ذوو نجوى ، فحذف المضاف ، وكذلك كل مصدر وصف به .
المسألة الرابعة : جر "ثلاثة" في قوله : (
من نجوى ثلاثة ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون مجرورا بالإضافة .
والثاني : أن يكون النجوى بمعنى المتناجين ، ويكون التقدير : "ما يكون من متناجين ثلاثة" فيكون صفة .
المسألة الخامسة : قرأ
ابن أبي عبلة "ثلاثة" و "خمسة" بالنصب على الحال ، بإضمار "يتناجون" لأن نجوى يدل عليه .
المسألة السادسة : أنه تعالى ذكر الثلاثة والخمسة ، وأهمل أمر الأربعة في البين ، وذكروا فيه وجوها :
أحدها : أن هذا إشارة إلى كمال الرحمة ، وذلك لأن الثلاثة إذا اجتمعوا ، فإذا أخذ اثنان في التناجي والمشاورة ، بقي الواحد ضائعا وحيدا ; فيضيق قلبه فيقول الله تعالى : أنا جليسك وأنيسك ، وكذا الخمسة إذا اجتمعوا بقي الخامس وحيدا فريدا ، أما إذا كانوا أربعة لم يبق واحد منهم فريدا ، فهذا إشارة إلى أن
كل من انقطع عن الخلق ما يتركه الله تعالى ضائعا .
وثانيها : أن
العدد الفرد أشرف من الزوج ؛ لأن الله وتر يحب الوتر ، فخص الأعداد الفرد بالذكر تنبيها على أنه لا بد من رعاية الأمور الإلهية في جميع الأمور .
وثالثها : أن
أقل ما لا بد منه في المشاورة التي يكون الغرض منها تمهيد مصلحة ثلاثة حتى يكون الاثنان كالمتنازعين في النفي والإثبات ، والثالث كالمتوسط الحاكم بينهما ، فحينئذ تكمل تلك المشورة ، ويتم ذلك الغرض ، وهكذا في كل جمع اجتمعوا للمشاورة ، فلا بد فيهم من واحد يكون حكما مقبول القول ؛ فلهذا السبب لا بد
[ ص: 231 ] وأن تكون أرباب المشاورة عددهم فردا ، فذكر سبحانه الفردين الأولين ، واكتفى بذكرهما تنبيها على الباقي .
ورابعها : أن الآية نزلت في قوم من المنافقين ، اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين ، وكانوا على هذين العددين ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزلت هذه الآية في
ربيعة وحبيب ابني عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=90وصفوان بن أمية ، كانوا يوما يتحدثون ، فقال أحدهم : هل يعلم الله ما تقول ؟ وقال الثاني : يعلم البعض دون البعض ، وقال الثالث : إن كان يعلم البعض فيعلم الكل .
وخامسها : أن في مصحف
عبد الله : "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا الله رابعهم ولا أربعة إلا الله خامسهم ولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا أخذوا في التناجي" .
المسألة السابعة : قرئ : (
ولا أدنى من ذلك ولا أكثر ) بالنصب على أن "لا" لنفي الجنس ، ويجوز أن يكون " ولا أكثر " بالرفع معطوفا على محل "لا" مع "أدنى" ، كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله ، بفتح الحول ورفع القوة .
والثالث : يجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء ، كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله .
والرابع : أن يكون ارتفاعهما عطفا على محل (
من نجوى ) كأنه قيل : ما يكون أدنى ولا أكثر إلا هو معهم .
والخامس : يجوز أن يكونا مجرورين عطفا على (
نجوى ) كأنه قيل : ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم .
المسألة الثامنة : قرئ : " ولا أكبر " بالباء المنقطة من تحت .
المسألة التاسعة : المراد من كونه تعالى رابعا لهم ، والمراد من كونه تعالى معهم كونه تعالى عالما بكلامهم وضميرهم وسرهم وعلنهم ، وكأنه تعالى حاضر معهم ومشاهد لهم ، وقد تعالى عن المكان والمشاهدة .
المسألة العاشرة : قرأ بعضهم : " ثم ينبئهم " بسكون النون ، وأنبأ ونبأ واحد في المعنى ، وقوله : (
ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ) أي يحاسب على ذلك ويجازي على قدر الاستحقاق ، ثم قال : (
إن الله بكل شيء عليم ) وهو تحذير من المعاصي وترغيب في الطاعات .
(
ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول )
ثم إنه تعالى بين حال أولئك الذين نهوا عن النجوى فقال : (
ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ) واختلفوا في أنهم من هم ؟ فقال الأكثرون : هم
اليهود ، ومنهم من قال : هم المنافقون ، ومنهم من قال : فريق من الكفار ، والأول أقرب ؛ لأنه تعالى حكى عنهم فقال : (
وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) ، وهذا الجنس فيما روي وقع من
اليهود ، فقد كانوا إذا سلموا على الرسول عليه السلام قالوا : السام عليك ، يعنون الموت ، والأخبار في ذلك متظاهرة ، وقصة عائشة فيها مشهورة .
ثم قال تعالى : (
ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ) وفيه مسألتان :
[ ص: 232 ] المسألة الأولى : قال المفسرون : إنه صح أن أولئك الأقوام كانوا يتناجون فيما بينهم ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم ، فيحزنون لذلك ، فلما أكثروا ذلك شكا المسلمون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين ، فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقوله : (
ويتناجون بالإثم والعدوان ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن الإثم والعدوان هو مخالفتهم للرسل في النهي عن النجوى ؛ لأن الإقدام على المنهي يوجب الإثم والعدوان ، سيما إذا كان ذلك الإقدام لأجل المناصبة وإظهار التمرد .
والثاني : أن الإثم والعدوان هو ذلك السر الذي كان يجري بينهم ؛ لأنه إما مكر وكيد بالمسلمين أو شيء يسوءهم .
المسألة الثانية : قرأ
حمزة وحده ، "وينتجون" بغير ألف ، والباقون : يتناجون . قال
أبو علي : ينتجون يفتعلون من النجوى ، والنجوى مصدر كالدعوى والعدوى ، فينتجون ويتناجون واحد ، فإن يفتعلون ، ويتفاعلون قد يجريان مجرى واحدا ، كما يقال : ازدوجوا ، واعتوروا ، وتزاوجوا وتعاوروا ، وقوله تعالى : (
حتى إذا اداركوا فيها ) [ الأعراف : 38 ] وادركوا ، فادركوا افتعلوا ، واداركوا تفاعلوا ، وحجة من قرأ : (
ويتناجون ) قوله : (
إذا ناجيتم الرسول ) (
وتناجوا بالبر والتقوى ) فهذا مطاوع "ناجيتم" ، وليس في هذا رد لقراءة
حمزة : "ينتجون" ؛ لأن هذا مثله في الجواز .
وقوله تعالى : (
ومعصية الرسول ) قال صاحب "الكشاف" : قرئ "ومعصيات الرسول" ، والقولان ههنا كما ذكرناه في الإثم والعدوان . وقوله : (
وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) يعني أنهم يقولون في تحيتك : السام عليك يا
محمد . والسام : الموت ، والله تعالى يقول : (
وسلام على عباده الذين اصطفى ) [ النمل : 59 ] و (
ياأيها الرسول ) و (
ياأيها النبي ) ، ثم ذكر تعالى أنهم (
ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ) يعني أنهم يقولون في أنفسهم : إنه لو كان رسولا فلم لا يعذبنا الله بهذا الاستخفاف .