أما قوله تعالى : (
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى : (
واتبعوا ) حكاية عمن تقدم ذكره وهم
اليهود ، ثم فيه أقوال :
أحدها : أنهم
اليهود الذين كانوا في زمان
محمد عليه الصلاة والسلام .
وثانيها : أنهم الذين تقدموا من
اليهود .
وثالثها : أنهم الذين كانوا في زمن
سليمان عليه السلام من السحرة لأن
أكثر اليهود ينكرون نبوة سليمان عليه السلام ويعدونه من جملة الملوك في الدنيا ، فالذين كانوا منهم في زمانه لا يمتنع أن يعتقدوا فيه أنه إنما وجد ذلك الملك العظيم بسبب السحر .
ورابعها : أنه يتناول الكل وهذا أولى لأنه ليس صرف اللفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى غيره ، إذ لا دليل على التخصيص . قال
السدي : لما جاءهم
محمد عليه الصلاة والسلام عارضوه بالتوراة فخاصموه بها فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر
هاروت وماروت فلم يوافق القرآن ، فهذا قوله تعالى : (
ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم ) ثم أخبر عنهم بأنهم اتبعوا كتب السحر .
المسألة الثانية : ذكروا في تفسير : (
تتلو ) وجوها :
أحدها : أن المراد منه التلاوة والإخبار .
وثانيها : قال
أبو مسلم ( تتلوا ) أي تكذب على ملك
سليمان . يقال : تلا عليه إذا كذب وتلا عنه إذا صدق وإذا أبهم جاز الأمران . والأقرب هو الأول لأن التلاوة حقيقة في الخبر ، إلا أن المخبر يقال في خبره إذا كان كذبا إنه تلا فلان وإنه قد تلا على فلان ليميز بينه وبين الصدق الذي لا يقال فيه روى على فلان ، بل يقال : روى عن فلان وأخبر عن فلان وتلا عن فلان وذلك لا يليق إلا بالأخبار والتلاوة ، ولا يمتنع أن يكون الذي كانوا يخبرون به عن سليمان مما يتلى ويقرأ فيجتمع فيه كل الأوصاف .