[ ص: 3 ] ( سورة الجمعة )
وهي إحدى عشرة آية مدنية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم )
وجه تعلق هذه السورة بما قبلها هو أنه تعالى قال في أول تلك السورة : ( سبح لله ) بلفظ الماضي وذلك لا يدل على التسبيح في المستقبل ، فقال في أول هذه السورة بلفظ المستقبل ليدل على التسبيح في زماني الحاضر والمستقبل ، وأما تعلق الأول بالآخر ، فلأنه تعالى ذكر في آخر تلك السورة أنه كان يؤيد أهل الإيمان حتى صاروا عالين على الكفار ، وذلك على وفق الحكمة لا للحاجة إليه إذ هو غني على الإطلاق ، ومنزه عما يخطر ببال الجهلة في الآفاق ، وفي أول هذه السورة ما يدل على كونه مقدسا ومنزها عما لا يليق بحضرته العالية بالاتفاق ، ثم إذا كان خلق السماوات والأرض بأجمعهم في تسبيح حضرة الله تعالى فله الملك ، كما قال تعالى : (
يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك ) ولا ملك أعظم من هذا ، وهو أنه خالقهم ومالكهم وكلهم في قبضة قدرته وتحت تصرفه ، يسبحون له آناء الليل وأطراف النهار بل في سائر الأزمان ، كما مر في أول تلك السورة ، ولما كان الملك كله له فهو الملك على الإطلاق ، ولما كان الكل بخلقه فهو المالك ، والمالك والملك أشرف من المملوك ، فيكون متصفا بصفات يحصل منها الشرف ، فلا مجال لما ينافيه من الصفات فيكون قدوسا ، فلفظ " الملك " إشارة إلى إثبات ما يكون من الصفات العالية ، ولفظ (
القدوس ) هو إشارة إلى نفي ما لا يكون منها ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي " القدوس " المنزه عما يخطر ببال أوليائه ، وقد مر تفسيره وكذلك (
العزيز الحكيم ) ثم الصفات المذكورة قرئت بالرفع على المدح ، أي هو الملك القدوس ، ولو قرئت بالنصب لكان وجها ، كقول العرب : الحمد لله أهل الحمد ، كذا ذكره في الكشاف ، ثم في الآية مباحث :
الأول :
قال تعالى : ( يسبح لله ) ولم يقل : يسبح الله ، فما الفائدة ؟ نقول : هذا من جملة ما يجري فيه
[ ص: 4 ] اللفظان : كشكره وشكر له ، ونصحه ونصح له .
الثاني : (
القدوس ) من الصفات السلبية ، وقيل : معناه المبارك .
الثالث : لفظ "
الحكيم " يطلق على الغير أيضا ، كما قيل في
لقمان : إنه حكيم ، نقول : الحكيم عند أهل التحقيق هو الذي يضع الأشياء [ في ] مواضعها ، والله تعالى حكيم بهذا المعنى .
ثم إنه تعالى بعدما فرغ من التوحيد والتنزيه شرع في النبوة فقال :