(
فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )
(
فستبصر ويبصرون ) أي فسترى يا
محمد ويرون ، يعني المشركين ، وفيه قولان :
منهم من حمل ذلك على أحوال الدنيا ، يعني فستبصر ويبصرون الدنيا أنه كيف يكون عاقبة أمرك وعاقبة أمرهم ، فإنك تصير معظما في القلوب ، ويصيرون ذليلين ملعونين ، وتستولي عليهم بالقتل والنهب ، قال
مقاتل : هذا وعيد بالعذاب
ببدر ، ومنهم من حمله على أحوال الآخرة ، وهو كقوله : (
سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) ( القمر : 26 ) .
وأما قوله تعالى : (
بأييكم المفتون )
ففيه وجوه :
أحدها : وهو قول
الأخفش وأبي عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة : أن الباء صلة زائدة والمعنى أيكم المفتون وهو الذي فتن بالجنون كقوله : (
تنبت بالدهن ) ( المؤمنين : 20 ) أي تنبت الدهن ، وأنشد
أبو عبيدة :
[ ص: 73 ] نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
والفراء طعن في هذا الجواب ، وقال : إذا أمكن فيه بيان المعنى الصحيح من دون طرح الباء كان ذلك أولى ، وأما البيت فمعناه نرجو كشف ما نحن فيه بالفرج ، أو نرجو النصر بالفرج .
وثانيها : وهو اختيار
الفراء nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد ، أن المفتون ههنا بمعنى الفتون وهو الجنون ، والمصادر تجيء على المفعول نحو المعقود والميسور بمعنى العقد واليسر ، يقال : ليس له معقود رأي أي عقد رأي ، وهذا قول
الحسن والضحاك ورواية
عطية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وثالثها : أن الباء بمعنى في ومعنى الآية : فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون ، أفي فرقة الإسلام أم في فرقة الكفار .
ورابعها : المفتون هو الشيطان إذ لا شك أنه مفتون في دينه ، وهم لما قالوا : إنه مجنون فقد قالوا : إن به شيطانا ، فقال تعالى : (
سيعلمون غدا ) ( القمر : 26 ) بأيهم شيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل .
ثم قال تعالى : (
إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) وفيه وجهان :
الأول : هو أن يكون المعنى إن ربك هو أعلم بالمجانين على الحقيقة ، وهم الذين ضلوا عن سبيله ، وهو أعلم بالعقلاء وهم المهتدون .
الثاني : أن يكون المعنى إنهم رموك بالجنون ووصفوا أنفسهم بالعقل وهم كذبوا في ذلك ، ولكنهم موصوفون بالضلال ، وأنت موصوف بالهداية ، والامتياز الحاصل بالهداية والضلال أولى بالرعاية من الامتياز الحاصل بسبب العقل والجنون ؛ لأن ذاك ثمرته السعادة الأبدية ( أ ) والشقاوة ، وهذا ثمرته السعادة ( أ ) والشقاوة في الدنيا .