(
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون )
قوله تعالى : (
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون ) اعلم أنه تعالى لما قال : لأجل أن كان ذا مال وبنين ، جحد وكفر وعصى وتمرد ، وكان هذا استفهاما على سبيل الإنكار ، بين في هذه الآية أنه تعالى إنما أعطاه المال والبنين على سبيل الابتلاء والامتحان ، وليصرفه إلى طاعة الله ، وليواظب على شكر نعم الله ، فإن لم يفعل ذلك فإنه تعالى يقطع عنه تلك النعم ، ويصب عليه أنواع البلاء والآفات فقال : (
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ) أي كلفنا هؤلاء أن يشكروا على النعم ، كما كلفنا أصحاب الجنة ذات الثمار ، أن يشكروا ويعطوا الفقراء حقوقهم ، روي أن واحدا من
ثقيف وكان مسلما ، كان يملك ضيعة فيها نخل وزرع بقرب صنعاء ، وكان يجعل من كل ما فيها عند الحصاد نصيبا وافرا للفقراء ، فلما مات ورثها منه بنوه ، ثم قالوا : عيالنا كثير ، والمال قليل ، ولا يمكننا أن نعطي المساكين ، مثل ما كان يفعل أبونا ، فأحرق الله جنتهم ، وقيل : كانوا من
بني إسرائيل ، وقوله : (
إذ أقسموا ) إذ حلفوا : (
ليصرمنها ) ليقطعن ثمر نخيلهم (
مصبحين ) ، أي في وقت الصباح ، قال
مقاتل : معناه اغدوا سرا إلى جنتكم ، فاصرموها ، ولا تخبروا المساكين ، وكان أبوهم يخبر المساكين ، فيجتمعون عند صرام جنتهم ، يقال : قد صرم العذق عن النخلة ، وأصرم النخل إذا حان وقت صرامه ، وقوله : (
ولا يستثنون ) يعني ولم يقولوا : إن شاء الله ، هذا قول جماعة المفسرين ، يقال : حلف فلان يمينا ليس فيها ثنيا ولا ثنوى ، ولا ثنية ولا مثنوية ولا استثناء وكله واحد ، وأصل هذا كله من الثني وهو الكف والرد ، وذلك أن الحالف إذا قال : والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله غيره ، فقد رد انعقاد ذلك اليمين ، واختلفوا في قوله : (
ولا يستثنون ) فالأكثرون أنهم إنما لم
[ ص: 78 ] يستثنوا بمشيئة الله تعالى لأنهم كانوا كالواثقين بأنهم يتمكنون من ذلك لا محالة ، وقال آخرون : بل المراد أنهم يصرمون كل ذلك ولا يستثنون للمساكين من جملة ذلك القدر الذي كان يدفعه أبوهم إلى المساكين .