(
فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون ) قوله تعالى : (
فانطلقوا وهم يتخافتون )
أي يتسارون فيما بينهم ، وخفي وخفت وخفد ثلاثتها في معنى
[ ص: 79 ] كتم ، ومنه الخفدود للخفاش ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : غدوا إليها بسدفة يسر بعضهم إلى بعض الكلام ؛ لئلا يعلم أحد من الفقراء والمساكين .
ثم قال تعالى : (
أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ) ( أن ) مفسرة ، وقرأ
ابن مسعود بطرحها بإضمار أي يتخافتون يقولون : لا يدخلها ، النهي للمسكين عن الدخول نهي لهم عن تمكينه منه ، أي لا تمكنوه من الدخول ، كقولك لا أرينك ههنا .
ثم قال : (
وغدوا على حرد قادرين )
وفيه أقوال :
الأول : الحرد المنع يقال : حاردت السنة إذا قل مطرها ومنعت ريعها ، وحاردت الناقة إذا منعت لبنها فقل اللبن ، والحرد الغضب ، وهما لغتان الحرد والحرد والتحريك أكثر ، وإنما سمي الغضب بالحرد لأنه كالمانع من أن يدخل المغضوب منه في الوجود ، والمعنى وغدوا وكانوا عند أنفسهم وفي ظنهم قادرين على منع المساكين .
الثاني : قيل : الحرد القصد والسرعة ، يقال : حردت حردك قال الشاعر :
أقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله
وقطا حراد أي سراع ، يعني وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة ونشاط قادرين عند أنفسهم يقولون : نحن نقدر على صرامها ، ومنع منفعتها عن المساكين .
والثالث : قيل : حرد علم لتلك الجنة أي غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم ، أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام والحرمان .
قوله تعالى : (
فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون )
فيه وجوه :
أحدها : أنهم لما رأوا جنتهم ظنوا أنهم قد ضلوا الطريق فقالوا : (
إنا لضالون ) ثم لما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا : (
بل نحن محرومون ) حرمنا خيرها بشؤم عزمنا على البخل ومنع الفقراء .
وثانيها : يحتمل أنهم لما رأوا جنتهم محترقة قالوا : إنا لضالون حيث كنا عازمين على منع الفقراء ، وحيث كنا نعتقد كوننا قادرين على الانتفاع بها ، بل الأمر انقلب علينا فصرنا نحن المحرومين .