(
قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ) ثم نادوا على أنفسهم بالويل : (
قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين ) والمراد أنهم استعظموا جرمهم . ثم قالوا عند ذلك :
(
عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها ) قرئ ( يبدلنا ) بالتخفيف والتشديد (
إنا إلى ربنا راغبون ) طالبون منه الخير راجون لعفوه ، واختلف العلماء ههنا ، فمنهم من قال : إن ذلك كان توبة منهم ، وتوقف بعضهم في ذلك قالوا : لأن هذا الكلام يحتمل أنهم إنما قالوه رغبة منهم في الدنيا .
ثم قال تعالى : (
كذلك العذاب ) يعني كما ذكرنا من إحراقها بالنار ، وههنا تم الكلام في قصة أصحاب الجنة .
واعلم أن المقصود من ذكر هذه القصة أمران :
أحدهما : أنه تعالى قال : (
أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) والمعنى : لأجل أن أعطاه المال والبنين كفر بالله ، كلا بل الله تعالى إنما أعطاه ذلك للابتلاء ، فإذا صرفه إلى الكفر دمر الله عليه بدليل أن أصحاب الجنة لما أتوا بهذا القدر اليسير من المعصية دمر الله على جنتهم فكيف يكون الحال في حق من عاند الرسول وأصر على الكفر والمعصية .
والثاني : أن أصحاب الجنة خرجوا لينتفعوا بالجنة ويمنعوا الفقراء عنها فقلب الله عليهم القضية ، فكذا أهل
مكة لما خرجوا إلى
بدر حلفوا على أن يقتلوا
محمدا وأصحابه ، وإذا رجعوا إلى
مكة طافوا بالكعبة وشربوا الخمور ، فأخلف الله ظنهم فقتلوا وأسروا كأهل هذه الجنة .
ثم إنه لما خوف الكفار بعذاب الدنيا قال : (
ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) وهو ظاهر لا حاجة به إلى التفسير .
[ ص: 81 ]
ثم إنه تعالى ذكر بعد ذلك أحوال السعداء ، فقال : (
إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم )
( عند ربهم ) أي في الآخرة (
جنات النعيم ) أي جنات ليس لهم فيها إلا التنعم الخالص لا يشوبه ما ينغصه ، كما يشوب جنات الدنيا ، قال
مقاتل : لما نزلت هذه الآية قال كفار
مكة للمسلمين : إن الله تعالى فضلنا عليكم في الدنيا ، فلا بد وأن يفضلنا عليكم في الآخرة ، فإن لم يحصل التفضيل فلا أقل من المساواة .