(
ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم ) .
قوله تعالى : (
ولا طعام إلا من غسلين ) فيه مسألتان :
المسألة الأولى : يروى أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس سئل عن
الغسلين ، فقال : لا أدري ما الغسلين . وقال
الكلبي : هو ماء يسيل من أهل النار من القيح والصديد والدم إذا عذبوا فهو (
غسلين ) فعلين من الغسل .
المسألة الثانية : الطعام ما هيء للأكل ، فلما هيء الصديد ليأكله أهل النار كان طعاما لهم ، ويجوز أن يكون المعنى أن ذلك أقيم لهم مقام الطعام فسمي طعاما ، كما قال :
تحية بينهم ضرب وجيع
والتحية لا تكون ضربا إلا أنه لما أقيم مقامه جاز أن يسمى به .
[ ص: 103 ] ثم إنه تعالى ذكر أن الغسلين أكل من هو ؟ فقال : (
لا يأكله إلا الخاطئون ) الآثمون أصحاب الخطايا, وخطئ الرجل إذا تعمد الذنب وهم المشركون ، وقرئ " الخاطيون " بإبدال الهمزة ياء والخاطون بطرحها ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه طعن في هذه القراءة ، وقال : ما الخاطيون كلنا نخطو إنما هو الخاطئون ، ما الصابون ، إنما هو الصابئون ، ويجوز أن يجاب عنه بأن المراد الذين يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود الله .
واعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة على إمكان القيامة ، ثم على وقوعها ، ثم ذكر أحوال السعداء
وأحوال الأشقياء ، ختم الكلام
بتعظيم القرآن فقال :
(
فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : منهم من قال : المراد أقسم و " لا " صلة ، أو يكون رد الكلام سبق ، ومنهم من قال : " لا " ههنا نافية للقسم ، كأنه قال : لا أقسم ، على أن هذا القرآن (
لقول رسول كريم ) يعني أنه لوضوحه يستغني عن القسم ، والاستقصاء في هذه المسألة سنذكره في أول سورة (
لا أقسم بيوم القيامة ) [القيامة : 1] .
المسألة الثانية : قوله : (
بما تبصرون وما لا تبصرون ) يعم جميع الأشياء على الشمول ؛ لأنها لا تخرج من قسمين : مبصر وغير مبصر ، فشمل الخالق والخلق ، والدنيا والآخرة ، والأجسام والأرواح ، والإنس والجن ، والنعم الظاهرة والباطنة .
ثم قال تعالى : (
إنه لقول رسول كريم ) .
واعلم أنه تعالى ذكر في سورة (
إذا الشمس كورت ) [التكوير : 1] مثل هذا الكلام ، والأكثرون هناك على أن المراد منه
جبريل عليه السلام ، والأكثرون ههنا على أن المراد منه
محمد صلى الله عليه وسلم ، واحتجوا على الفرق بأن ههنا لما قال : (
إنه لقول رسول كريم ) ذكر بعده أنه ليس بقول شاعر ، ولا كاهن ، والقوم ما كانوا يصفون
جبريل عليه السلام بالشعر والكهانة ، بل كانوا يصفون
محمدا بهذين الوصفين . وأما في سورة : (
إذا الشمس كورت ) لما قال : (
إنه لقول رسول كريم ) ثم قال بعده : (
وما هو بقول شيطان رجيم ) [التكوير : 25] كان المعنى : إنه قول ملك كريم ، لا قول شيطان رجيم ، فصح أن المراد من الرسول الكريم ههنا هو
محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي تلك السورة هو
جبريل عليه السلام ، وعند هذا يتوجه السؤال : أن الأمة مجمعة على أن
القرآن كلام الله تعالى ، وحينئذ يلزم أن يكون الكلام الواحد كلاما لله تعالى ،
ولجبريل ولمحمد ، وهذا غير معقول ( والجواب ) : أنه يكفي في صدق الإضافة أدنى سبب ، فهو كلام الله تعالى ، بمعنى أنه تعالى هو الذي أظهره في اللوح المحفوظ ، وهو الذي رتبه ونظمه ، وهو كلام
جبريل عليه السلام ، بمعنى أنه هو الذي أنزله من السماوات إلى الأرض ، وهو كلام
محمد ، بمعنى أنه هو الذي أظهره للخلق ، ودعا الناس إلى الإيمان به ، وجعله حجة لنبوته .