(
وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون ) .
ثم قال تعالى : (
وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون ) وههنا مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الجمهور : تؤمنون وتذكرون بالتاء المنقوطة من فوق على الخطاب إلا
ابن كثير ،
[ ص: 104 ] فإنه قرأهما بالياء على المغايبة ، فمن قرأ على الخطاب ، فهو عطف على قوله : (
بما تبصرون وما لا تبصرون ) ومن قرأ على المغايبة سلك فيه مسلك الالتفات .
المسألة الثانية : قالوا : لفظة " ما " في قوله : (
قليلا ما تؤمنون ) (
قليلا ما تذكرون ) لغو وهي مؤكدة ، وفي قوله : (
قليلا ) وجهان :
الأول : قال
مقاتل : يعني بالقليل أنهم لا يصدقون بأن القرآن من الله ، والمعنى لا يؤمنون أصلا ، والعرب يقولون : قلما يأتينا يريدون لا يأتينا .
الثاني : أنهم قد يؤمنون في قلوبهم ، إلا أنهم يرجعون عنه سريعا ولا يتمون الاستدلال ، ألا ترى إلى قوله : (
إنه فكر وقدر ) [المدثر : 18] إلا أنه في آخر الأمر قال : (
إن هذا إلا سحر يؤثر ) [المدثر : 24] .
المسألة الثالثة : ذكر في نفي الشاعرية (
قليلا ما تؤمنون ) وفي نفي الكاهنية (
ما تذكرون ) والسبب فيه كأنه تعالى قال : ليس هذا القرآن قولا من رجل شاعر ؛ لأن هذا الوصف مباين لصنوف الشعر كلها إلا أنكم لا تؤمنون ، أي : لا تقصدون الإيمان ، فلذلك تعرضون عن التدبر ، ولو قصدتم الإيمان لعلمتم كذب قولكم : إنه شاعر ، لمفارقة هذا التركيب ضروب الشعر ، ولا أيضا بقول كاهن ؛ لأنه وارد بسب الشياطين وشتمهم ، فلا يمكن أن يكون ذلك بإلهام الشياطين ، إلا أنكم لا تتذكرون كيفية
نظم القرآن ، واشتماله على شتم الشياطين ، فلهذا السبب تقولون : إنه من باب الكهانة .