(
فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) .
[ ص: 122 ] قوله تعالى : (
فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) قال
مقاتل : إن قوم
نوح لما كذبوه زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر ، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، فرجعوا فيه إلى
نوح ، فقال
نوح : استغفروا ربكم من الشرك حتى يفتح عليكم أبواب نعمه .
واعلم أن
الاشتغال بالطاعة سبب لانفتاح أبواب الخيرات ، ويدل عليه وجوه :
أحدها : أن
الكفر سبب لخراب العالم على ما قال في كفر
النصارى : (
تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا ) [مريم : 90] فلما كان الكفر سببا لخراب العالم ، وجب أن يكون
الإيمان سببا لعمارة العالم .
وثانيها : الآيات منها هذه الآية ، ومنها قوله : (
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات ) (
ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ) (
وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) (
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) (
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك ) [طه : 132] .
وثالثها : أنه تعالى قال : (
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [الذاريات : 56] فإذا اشتغلوا بتحصيل المقصود حصل ما يحتاج إليه في الدنيا على سبيل التبعية .
ورابعها : أن
عمر خرج يستسقي فما زاد على الاستغفار ، فقيل له : ما رأيناك استسقيت ، فقال : لقد استسقيت بمجاديح السماء . المجدح ثلاثة كواكب مخصوصة ، ونوؤه يكون عزيزا ، شبه عمر
الاستغفار بالأنواء الصادقة التي لا تخطئ ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله : إن
أكثر الناس ذنوبا أقلهم استغفارا ، وأكثرهم استغفارا أقلهم ذنوبا ، وعن
الحسن : أن رجلا شكا إليه الجدب ، فقال : استغفر الله ، وشكا إليه آخر الفقر ، وآخر قلة النسل ، وآخر قلة ريع أرضه ، فأمرهم كلهم بالاستغفار ، فقال له بعض القوم : أتاك رجال يشكون إليك أنواعا من الحاجة ، فأمرتهم كلهم بالاستغفار ، فتلا له الآية ، وههنا سؤالات :
الأول : أن
نوحا عليه السلام أمر الكفار قبل هذه الآية بالعبادة والتقوى والطاعة ، فأي فائدة في أن أمرهم بعد ذلك بالاستغفار ؟ ( الجواب ) أنه لما أمرهم بالعبادة قالوا له : إن كان الدين القديم الذي كنا عليه حقا فلم تأمرنا بتركه ، وإن كان باطلا فكيف يقبلنا بعد أن عصيناه ، فقال
نوح عليه السلام : إنكم وإن كنتم عصيتموه ولكن استغفروه من تلك الذنوب ، فإنه سبحانه كان غفارا .
السؤال الثاني : لم قال : (
إنه كان غفارا ) ولم يقل : إنه غفار ؟ قلنا : المراد أنه كان غفارا في حق كل من استغفروه كأنه يقول : لا تظنوا أن غفاريته إنما حدثت الآن ، بل هو أبدا هكذا كان ، فكأن هذا هو حرفته وصنعته .