(
ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) .
النوع الثالث : من قبائح أفعالهم قوله تعالى : (
ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : ومكروا ، معطوف على من لم يزده ؛ لأن المتبوعين هم الذين مكروا ، وقالوا للأتباع لا تذرن ، وجمع الضمير وهو راجع إلى من ؛ لأنه في معنى الجمع .
المسألة الثانية : قرئ "كبارا" و"كبارا" بالتخفيف والتثقيل ، وهو مبالغة في الكبير ، فأول المراتب الكبير ، والأوسط الكبار بالتخفيف ، والنهاية الكبار بالتثقيل ، ونظيره : جميل وجمال وجمال ، وعظيم وعظام وعظام ، وطويل وطوال وطوال .
المسألة الثالثة : المكر الكبار هو أنهم قالوا لأتباعهم : (
ولا تذرن ودا ) فهم منعوا القوم عن التوحيد ، وأمروهم بالشرك ، ولما كان التوحيد أعظم المراتب ، لا جرم كان المنع منه أعظم الكبائر ، فلهذا وصفه الله تعالى بأنه كبار ، واستدل بهذا من فضل علم الكلام على سائر العلوم ، فقال :
الأمر بالشرك كبار في القبح والخزي ، فالأمر بالتوحيد والإرشاد وجب أن يكون كبارا في الخير والدين .
المسألة الرابعة : أنه تعالى إنما سماه (
مكرا ) لما في إضافة الإلهية إليهم من الحيلة الموجبة لاستمرارهم على عبادتها ، كأنهم قالوا : هذه الأصنام آلهة لكم ، وكانت آلهة لآبائكم ، فلو قبلتم قول
نوح لاعترفتم على أنفسكم بأنكم كنتم جاهلين ضالين كافرين ، وعلى آبائكم بأنهم كانوا كذلك ، ولما كان اعتراف الإنسان على نفسه ، وعلى جميع أسلافه بالقصور والنقص والجهل شاقا شديدا ، صارت الإشارة إلى هذه المعاني بلفظ آلهتكم صارفا لهم عن الدين ، فلأجل اشتمال هذا الكلام على هذه الحيلة الخفية سمى الله كلامهم "مكرا" .
الثاني : أنه تعالى حكى عن أولئك المتبوعين أنهم كان لهم مال وولد ، فلعلهم قالوا لأتباعهم : إن آلهتكم خير من إله
نوح ؛ لأن آلهتكم يعطونكم المال والولد ، وإله
نوح لا يعطيه شيئا لأنه فقير ، فبهذا المكر صرفوهم عن طاعة
نوح ، وهذا مثل مكر فرعون إذ قال : (
أليس لي ملك مصر ) [الزخرف : 51] وقال : (
أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب ) [الزخرف : 53] .