(
علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا ) ثم إنه تعالى ذكر الحكمة في هذا النسخ فقال تعالى : (
علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) .
واعلم أن تقدير هذه الآية كأنه قيل : لم نسخ الله ذلك ؟ فقال : لأنه علم كذا وكذا ، والمعنى لتعذر القيام على المرضى والضاربين في الأرض للتجارة والمجاهدين في سبيل الله ، أما المرضى فإنهم لا يمكنهم الاشتغال بالتهجد لمرضهم ، وأما المسافرون والمجاهدون فهم مشتغلون في النهار بالأعمال الشاقة ، فلو لم يناموا في الليل لتوالت أسباب المشقة عليهم ، وهذا السبب ما كان موجودا في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : (
إن لك في النهار سبحا طويلا ) فلا جرم ما صار وجوب التهجد منسوخا في حقه . ومن لطائف هذه الآية أنه تعالى سوى بين المجاهدين والمسافرين للكسب الحلال ، وعن
ابن مسعود : " أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء " ، ثم أعاد مرة أخرى قوله : (
فاقرءوا ما تيسر منه ) وذلك للتأكيد ثم قال : (
وأقيموا الصلاة ) يعني المفروضة (
وآتوا الزكاة ) أي الواجبة ، وقيل :
زكاة الفطر لأنه لم يكن
بمكة زكاة وإنما وجبت بعد ذلك ، ومن فسرها بالزكاة الواجبة جعل آخر السورة مدنيا .
[ ص: 166 ] قوله تعالى : (
وأقرضوا الله قرضا حسنا ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه يريد سائر الصدقات .
وثانيها : يريد
أداء الزكاة على أحسن وجه ، وهو إخراجها من أطيب الأموال وأكثرها نفعا للفقراء ، ومراعاة النية ، وابتغاء وجه الله ، والصرف إلى المستحق .
وثالثها : يريد كل شيء يفعل من الخير مما يتعلق بالنفس والمال .