(
كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين )
قوله تعالى : (
كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) قال صاحب " الكشاف " : رهينة ليست بتأنيث رهين في قوله : (
كل امرئ بما كسب رهين ) [ الطور : 21] لتأنيث النفس ؛ لأنه لو قصدت الصيغة لقيل : رهين ، لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم ، كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن ، ومنه بيت الحماسة :
أبعد الذي بالنعف نعف كواكب رهينة رمس ذي تراب وجندل
كأنه قال : رهن رمس ، والمعنى :
كل نفس رهن بكسبها عند الله ، غير مفكوك إلا أصحاب اليمين ، فإنهم فكوا عن رقاب أنفسهم بسبب أعمالهم الحسنة ، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق ، ثم ذكروا وجوها في أن
أصحاب اليمين من هم ؟ :
أحدها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هم المؤمنون .
وثانيها : قال
الكلبي : هم الذين قال فيهم الله تعالى : " هؤلاء في الجنة ولا أبالي " وهم الذين كانوا على يمين
آدم .
وثالثها : قال
مقاتل : هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم لا يرتهنون بذنوبهم في النار .
ورابعها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب عليه السلام
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر : هم أطفال المسلمين ، قال
الفراء : وهو أشبه بالصواب لوجهين :
الأول : لأن الولدان لم يكتسبوا إثما يرتهنون به .
والثاني : أنه تعالى ذكر في وصفهم ، فقال : (
في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر ) وهذا إنما يليق بالولدان ، لأنهم لم يعرفوا الذنوب ، فسألوا (
ما سلككم في سقر ) .
وخامسها : عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هم الملائكة .
قوله تعالى : (
في جنات ) أي هم في جنات لا يكتنه وصفها .
ثم قال تعالى : (
يتساءلون عن المجرمين ) وفيه وجهان :
الأول : أن تكون كلمة " عن " صلة زائدة ، والتقدير : يتساءلون المجرمين فيقولون لهم : ما سلككم في سقر ؟ فإنه يقال سألته كذا ، ويقال : سألته عن كذا .
الثاني : أن يكون المعنى أن أصحاب اليمين يسأل بعضهم بعضا عن أحوال المجرمين ، فإن قيل : فعلى هذا الوجه كان يجب أن يقولوا : ما سلكهم في سقر ؟ قلنا : أجاب صاحب " الكشاف " عنه ، فقال : المراد من هذا أن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين ، فيقولون : قلنا لهم : (
ما سلككم في سقر ) وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون المراد أن أصحاب اليمين كانوا يتساءلون عن المجرمين أين هم ؟ فلما رأوهم قالوا لهم : (
ما سلككم في سقر ) والإضمارات كثيرة في القرآن .