(
كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا )
ثم شبههم في نفورهم عن القرآن بحمر نافرة فقال : (
كأنهم حمر مستنفرة ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد الحمر الوحشية ، ومستنفرة أي نافرة . يقال : نفر واستنفر مثل سخر ، واستسخر ، وعجب واستعجب ، وقرئ بالفتح ، وهي المنفرة المحمولة على النفار ، قال
أبو علي الفارسي : الكسر في مستنفرة أولى ، ألا ترى أنه قال : (
فرت من قسورة ) وهذا يدل على أنها هي استنفرت ، ويدل على صحة ما قال
أبو علي أن
محمد بن سلام قال : سألت
أبا سوار الغنوي ، وكان أعرابيا فصيحا ، فقلت : كأنهم حمر ماذا ؟ فقال : مستنفرة طردها قسورة ، قلت : إنما هو
[ ص: 187 ] "
فرت من قسورة " ، قال : أفرت ؟ قلت : نعم ، قال : فمستنفرة إذا .
ثم قال تعالى : (
فرت ) يعني الحمر (
من قسورة ) .
وذكروا في
القسورة وجوها :
أحدها : أنها الأسد ، يقال : ليوث قساور ، وهي فعولة من القسر وهو القهر والغلبة ، سمي بذلك لأنه يقهر السباع ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت ، كذلك هؤلاء المشركين إذا رأوا
محمدا صلى الله عليه وسلم هربوا منه ، كما يهرب الحمار من الأسد ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : القسورة هي الأسد بلسان
الحبشة ، وخالف
عكرمة فقال : الأسد بلسان
الحبشة عنبسة .
وثانيها : القسورة جماعة الرماة الذين يتصيدونها ، قال
الأزهري : هو اسم جمع للرماة لا واحد له من جنسه .
وثالثها : القسورة ركز الناس وأصواتهم .
ورابعها : أنها ظلمة الليل . قال صاحب " الكشاف " : وفي تشبيههم بالحمر شهادة عليهم بالبله ، ولا ترى مثل نفار حمير الوحش وإطرادها في العدو إذا خافت من شيء .
ثم قال تعالى : (
بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نؤمن بك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه من رب العالمين إلى فلان بن فلان ، ونؤمر فيه باتباعك ، ونظيره (
ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ) [ الإسراء : 93] وقال : (
ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ) [ الأنعام : 7] وقيل : إن كان
محمد صادقا فليصبح عند رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءة من النار ، وقيل : كانوا يقولون : بلغنا أن الرجل من
بني إسرائيل كان يصبح مكتوبا على رأسه ذنبه وكفارته ، فأتنا بمثل ذلك ، وهذا من الصحف المنشرة بمعزل ، إلا أن يراد بالصحف المنشرة الكتابات الظاهرة المكشوفة ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : "صحفا منشرة " بتخفيفهما على أن أنشر الصحف ونشرها واحد ، كأنزله ونزله .
ثم قال تعالى : (
كلا ) وهو ردع لهم عن تلك الإرادة ، وزجر عن اقتراح الآيات .