(
بل لا يخافون الآخرة كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة )
ثم قال تعالى : (
بل لا يخافون الآخرة ) فلذلك أعرضوا عن التأمل ، فإنه لما حصلت المعجزات الكثيرة ، كفت في الدلالة على صحة النبوة ، فطلب الزيادة يكون من باب التعنت .
ثم قال تعالى : (
كلا ) وهو ردع لهم عن إعراضهم عن التذكرة .
ثم قال تعالى : (
إنه تذكرة ) يعني تذكرة بليغة كافية (
فمن شاء ذكره ) أي جعله نصب عينه ، فإن نفع ذلك راجع إليه ، والضمير في " أنه " و " ذكره " للتذكرة في قوله : (
فما لهم عن التذكرة معرضين ) [ المدثر : 49] وإنما ذكرت لأنها في معنى الذكر أو القرآن .
ثم قال تعالى : (
وما يذكرون إلا أن يشاء الله )
قالت
المعتزلة : يعني إلا أن يقسرهم على الذكر ويلجئهم إليه . والجواب : أنه تعالى نفى الذكر
[ ص: 188 ] مطلقا ، واستثنى عنه حال المشيئة المطلقة ، فيلزم أنه متى حصلت المشيئة أن يحصل الذكر فحيث لم يحصل الذكر علمنا أنه لم تحصل المشيئة ،
وتخصيص المشيئة بالمشيئة القهرية ترك للظاهر ، وقرئ " يذكرون " [ و " تذكرون " ] بالياء والتاء مخففا ومشددا .
ثم قال تعالى : (
هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) أي : هو حقيق بأن يتقيه عباده ويخافوا عقابه فيؤمنوا ويطيعوا ، وحقيق بأن يغفر لهم ما سلف من كفرهم إذا آمنوا وأطاعوا ، والله سبحانه وتعالى أعلم . والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على سيدنا
محمد وآله وصحبه أجمعين .