(
كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة )
قوله تعالى : (
كلا ) وهو ردع عن طلب المفر (
لا وزر ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد والزجاج :
أصل الوزر الجبل المنيع ، ثم يقال لكل ما التجأت إليه وتحصنت به وزر ، وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد قول
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك :
الناس آلت علينا فيك ليس لنا إلا السيوف وأطراف القنا وزر
ومعنى الآية أنه لا شيء يعتصم به من أمر الله .
ثم قال تعالى : (
إلى ربك يومئذ المستقر ) وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون المستقر بمعنى الاستقرار ، بمعنى أنهم لا يقدرون أن يستقروا إلى غيره ، وينصبوا إلى غيره ، كما قال : (
إن إلى ربك الرجعى ) [ العلق : 8] (
وإلى الله المصير ) [ فاطر : 18] (
ألا إلى الله تصير الأمور ) [الشورى : 53] (
وأن إلى ربك المنتهى ) [ النجم : 42] .
الثاني : أن يكون المعنى إلى ربك مستقرهم ، أي موضع قرارهم من جنة أو نار ، أي مفوض ذلك إلى مشيئته من شاء أدخله الجنة ، ومن شاء أدخله النار .
قوله تعالى : (
ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) بما قدم من عمل عمله ، وبما أخر من عمل لم يعمله ، أو بما قدم من ماله فتصدق به وبما أخره فخلفه ، أو بما قدم من عمل الخير والشر وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة ، فعمل بها بعده ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : أنه مفسر بأول العمل وآخره ، ونظيره قوله : (
فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه ) [ المجادلة : 6] وقال : (
ونكتب ما قدموا وآثارهم ) [ يس : 12] واعلم أن الأظهر أن هذا الإنباء يكون يوم القيامة عند
العرض والمحاسبة ووزن الأعمال ، ويجوز أن يكون عند الموت وذلك أنه إذا مات بين له مقعده من الجنة والنار .
قوله تعالى : (
بل الإنسان على نفسه بصيرة )
اعلم أنه تعالى لما قال : ينبأ الإنسان يومئذ بأعماله ، قال : بل لا يحتاج إلى أن ينبئه غيره ، وذلك لأن نفسه شاهدة بكونه فاعلا لتلك الأفعال ، مقدما عليها ، ثم في قوله : (
بصيرة ) وجهان :
الأول : قال
الأخفش : جعله في نفسه بصيرة كما يقال : فلان جود وكرم ، فههنا أيضا كذلك ، لأن الإنسان بضرورة عقله يعلم
[ ص: 196 ] أن ما يقربه إلى الله ويشغله بطاعته وخدمته فهو السعادة ، وما يبعده عن طاعة الله ويشغله بالدنيا ولذاتها فهو الشقاوة ، فهب أنه بلسانه يروج ويزور ويرى الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق ، لكنه بعقله السليم يعلم أن الذي هو عليه في ظاهره جيد أو رديء .
والثاني : أن المراد جوارحه تشهد عليه بما عمل فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ومقاتل ، وهو كقوله : (
يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ) [ النور : 24] وقوله : (
وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم ) [ يس : 65] وقوله : (
شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ) [ فصلت : 20] فأما تأنيث البصيرة فيجوز أن يكون لأن المراد بالإنسان ههنا الجوارح ؛ كأنه قيل : بل جوارح الإنسان ، كأنه قيل : بل
جوارح الإنسان على نفس الإنسان بصيرة ، وقال
أبو عبيدة : هذه الهاء لأجل المبالغة كقوله : رجل راوية وطاغية وعلامة .
واعلم أنه تعالى ذكر في الآية الأولى أن الإنسان يخبر يوم القيامة بأعماله . ثم ذكر في هذه الآية أنه شاهد على نفسه بما عمل ، فقال
الواحدي : هذا يكون من الكفار فإنهم ينكرون ما عملوا فيختم الله على أفواههم وينطق جوارحهم .