[ ص: 208 ] سورة الإنسان
إحدى وثلاثون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) اتفقوا على أن " هل " ههنا وفي قوله تعالى (
هل أتاك حديث الغاشية ) [ الغاشية : 1] - بمعنى قد ، كما تقول : هل رأيت صنيع فلان ، وقد علمت أنه قد رآه ، وتقول : هل وعظتك ؟ هل أعطيتك ؟ ومقصودك : أن تقرره بأنك قد أعطيته ووعظته ، وقد تجيء بمعنى الجحد ، تقول : وهل يقدر أحد على مثل هذا ، وأما أنها تجيء بمعنى الاستفهام فظاهر ، والدليل على أنها ههنا ليست بمعنى الاستفهام وجهان :
الأول : ما روي أن الصديق رضي الله عنه لما سمع هذه الآية قال : يا ليتها كانت تمت فلا نبتلى ، ولو كان ذلك استفهاما لما قال : ليتها تمت ، لأن الاستفهام ، إنما يجاب بـ " لا " أو بـ " نعم " ، فإذا كان المراد هو الخبر ، فحينئذ يحسن ذلك الجواب .
الثاني : أن الاستفهام على الله تعالى محال ، فلا بد من حمله على الخبر .
المسألة الأولى : اختلفوا في الإنسان المذكور ههنا ، فقال جماعة من المفسرين : يريد
آدم عليه السلام ، ومن ذهب إلى هذا قال : إن الله تعالى ذكر خلق
آدم في هذه الآية ثم عقب بذكر ولده في قوله : (
إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ) .
والقول الثاني : أن المراد بالإنسان بنو
آدم ؛ بدليل قوله : (
إنا خلقنا الإنسان من نطفة ) فالإنسان في الموضعين واحد ، وعلى هذا التقدير يكون نظم الآية أحسن .
المسألة الثانية : " حين " فيه قولان :
الأول : أنه طائفة من الزمن الطويل الممتد وغير مقدر في نفسه .
والثاني : أنه مقدر بالأربعين ، فمن قال : المراد بالإنسان هو
آدم - قال : المعنى أنه مكث
آدم عليه السلام أربعين سنة طينا إلى أن نفخ فيه الروح ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه بقي طينا أربعين سنة ، وأربعين من صلصال ، وأربعين من حمإ مسنون ، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ، فهو في هذه المدة ما كان شيئا مذكورا ، وقال
الحسن : خلق الله تعالى كل الأشياء ما يرى وما لا يرى من دواب البر والبحر في الأيام الستة التي خلق فيها السماوات
[ ص: 209 ] والأرض ، وآخر ما خلق
آدم عليه السلام ، وهو قوله : (
لم يكن شيئا مذكورا ) فإن قيل : إن الطين والصلصال والحمأ المسنون قبل نفخ الروح فيه ما كان إنسانا ، والآية تقتضي أنه قد مضى على الإنسان حال كونه إنسانا حين من الدهر مع أنه في ذلك الحين ما كان شيئا مذكورا ، قلنا : إن الطين والصلصال إذا كان مصورا بصورة الإنسان ويكون محكوما عليه بأنه سينفخ فيه الروح وسيصير إنسانا صح تسميته بأنه إنسان ، والذين يقولون الإنسان هو النفس الناطقة ، وإنها موجودة قبل وجود الأبدان ، فالإشكال عنهم زائل ، واعلم أن الغرض من هذا التنبيه على أن الإنسان محدث ، ومتى كان كذلك فلا بد من محدث قادر .
المسألة الثالثة : ( لم يكن شيئا مذكورا ) محله النصب على الحال من الإنسان ؛ كأنه قيل : هل أتى عليه حين من الدهر غير مذكور ، أو الرفع على الوصف لـ " حين " ، تقديره : هل أتى على الإنسان حين لم يكن فيه شيئا .