[ ص: 219 ] (
فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك )
قوله تعالى : (
فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا )
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعات لغرضين : طلب رضا الله ، والخوف من القيامة - بين في هذه الآية أنه أعطاهم هذين الغرضين ، أما
الحفظ من هول القيامة فهو المراد بقوله : (
فوقاهم الله شر ذلك اليوم ) ، وسمى شدائدها شرا توسعا على ما علمت .
واعلم أن هذه الآية أحد ما يدل على أن شدائد الآخرة لا تصل إلا إلى أهل العذاب ، وأما طلب رضاء الله تعالى فأعطاهم بسببه نضرة في الوجه ، وسرورا في القلب ، وقد مر تفسير (
ولقاهم ) في قوله : (
ويلقون فيها تحية ) [ الفرقان : 75 ] ، وتفسير النضرة في قوله : (
وجوه يومئذ ناضرة ) ، والتنكير في (
وسرورا ) للتعظيم والتفخيم .
قوله تعالى : (
وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) والمعنى : وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعري بستانا فيه مأكل هنيء ، وحريرا فيه ملبس بهي ، ونظيره قوله تعالى : (
ولباسهم فيها حرير ) . أقول : وهذا يدل على أن المراد من قوله : (
إنما نطعمكم ) ليس هو الإطعام فقط ، بل جميع أنواع المواساة من الطعام والكسوة ، ولما ذكر تعالى طعامهم ولباسهم ،
وصف مساكنهم ، ثم إن المعتبر في المساكن أمور :
أحدها : الموضع الذي يجلس فيه ، فوصفه بقوله : (
متكئين فيها على الأرائك ) وهي السرر في الحجال ، ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعت ، وفي نصب " متكئين " وجهان :
الأول : قال
الأخفش : إنه نصب على الحال ، والمعنى : وجزاهم جنة في حال اتكائهم ؛ كما تقول : جزاهم ذلك قياما .
والثاني : قال
الأخفش : وقد يكون على المدح .