(
ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا )
واعلم أنه تعالى ذكر بعد ذلك من يكون خادما في تلك المجالس فقال : (
ويطوف عليهم ولدان مخلدون ) وقد تقدم تفسير هذين الوصفين في سورة الواقعة ، والأقرب أن المراد به دوام كونهم على تلك الصورة التي لا يراد في الخدم أبلغ منها ، وذلك يتضمن دوام حياتهم وحسنهم ومواظبتهم على الخدمة الحسنة الموافقة ، قال
الفراء : يقال : مخلدون مسورون ، ويقال : مقرطون . وروى
نفطويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : مخلدون محلون .
والصفة الثالثة : قوله تعالى : (
إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) وفي كيفية التشبيه وجوه :
أحدها : شبهوا
في حسنهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في مجالسهم ومنازلهم عند اشتغالهم بأنواع الخدمة باللؤلؤ المنثور ، ولو كان صفا لشبهوا باللؤلؤ المنظوم ، ألا ترى أنه تعالى قال : (
ويطوف عليهم ) فإذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين .
وثانيها : أنهم شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا انتثر من صدفه ؛ لأنه أحسن وأكثر ماء .
وثالثها : قال القاضي : هذا من التشبيه العجيب ؛ لأن اللؤلؤ إذا كان متفرقا يكون أحسن في المنظر لوقوع شعاع بعضه على البعض ، فيكون مخالفا للمجتمع منه .
واعلم أنه تعالى لما ذكر تفصيل أحوال أهل الجنة ، أتبعه بما يدل على أن هناك أمورا أعلى وأعظم من هذا القدر المذكور فقال : (
وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) ؛ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : " رأيت " هل له مفعول ؟ فيه قولان :
الأول : قال
الفراء : المعنى وإذا رأيت ما ثم ، وصلح إضمار " ما " كما قال : (
لقد تقطع بينكم ) [ الأنعام : 94 ] يريد ما بينكم ، قال
الزجاج : لا يجوز إضمار " ما " ؛ لأن " ثم " صلة ، و " ما " موصولها ، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة .
الثاني : أنه ليس له مفعول ظاهر ولا مقدر ، والغرض منه أن يشيع ويعم ، كأنه قيل : وإذا وجدت الرؤية ثم ، ومعناه أن بصر الرائي أينما وقع لم يتعلق إدراكه إلا بنعيم كثير وملك كبير . و " ثم " في موضع النصب على الظرف ، يعني في الجنة .
المسألة الثانية : اعلم أن اللذات الدنيوية محصورة في أمور ثلاثة : قضاء الشهوة ، وإمضاء الغضب ،
[ ص: 223 ] واللذة الخيالية التي يعبر عنها بحب المال والجاه ، وكل ذلك مستحقر ، فإن الحيوانات الخسيسة قد تشارك الإنسان في واحد منها ، فالملك الكبير الذي ذكره الله ههنا لا بد وأن يكون مغايرا لتلك اللذات الحقيرة ، وما هو إلا أن تصير نفسه منتقشة بقدس الملكوت ، متحلية بجلال حضرة اللاهوت ، وأما ما هو على أصول المتكلمين فالوجه فيه أيضا أنه الثواب والمنفعة المقرونة بالتعظيم ، فبين تعالى في الآيات المتقدمة تفصيل تلك المنافع ، وبين في هذه الآية حصول التعظيم ، وهو أن كل واحد منهم يكون كالملك العظيم ، وأما المفسرون فمنهم من حمل هذا الملك الكبير على أن هناك منافع أزيد مما تقدم ذكره ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا يقدر واصف يصف حسنه ولا طيبه .
ويقال : إن
أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام ، ويرى أقصاه كما يرى أدناه ، وقيل : لا زوال له ، وقيل : إذا أرادوا شيئا حصل ، ومنهم من حمله على التعظيم ، فقال
الكلبي : هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله فيستأذن عليه ، ولا يدخل عليه رسول رب العزة من الملائكة المقربين المطهرين إلا بعد الاستئذان .
المسألة الثالثة : قال بعضهم : قوله : (
وإذا رأيت ) خطاب
لمحمد خاصة ، والدليل عليه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013904أرأيت إن دخلت الجنة أترى عيناي ما ترى عيناك ؟ فقال : نعم . فبكى حتى مات ، وقال آخرون : بل هو خطاب لكل أحد .