(
عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق )
قوله تعالى : (
عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
نافع وحمزة " عاليهم " بإسكان الياء ، والباقون بفتح الياء ، أما القراءة الأولى فالوجه فيها أن يكون " عاليهم " مبتدأ ، و " ثياب سندس " خبره ، والمعنى : ما يعلوهم من لباسهم ثياب سندس ، فإن قيل : " عاليهم " مفرد ، و " ثياب سندس " جماعة ، والمبتدأ إذا كان مفردا لا يكون خبره جمعا ، قلنا : المبتدأ ، وهو قوله : (عاليهم) وإن كان مفردا في اللفظ ، فهو جمع في المعنى ، نظيره قوله تعالى : (
مستكبرين به سامرا تهجرون ) [ المؤمنون : 67 ] ، (
فقطع دابر القوم ) كأنه أفرد من حيث جعل بمنزلة المصدر .
أما القراءة الثانية ، وهي فتح الياء ، فذكروا في هذا النصب ثلاثة أوجه :
الأول : أنه نصب على الظرف ؛ لأنه لما كان " عالي " بمعنى فوق أجري مجراه في هذا الإعراب ، كما كان قوله : (
والركب أسفل منكم ) [ الأنفال : 42 ] كذلك ، وهو قول
أبي علي الفارسي .
والثاني : أنه نصب على الحال ، ثم هذا أيضا يحتمل وجوها :
أحدها : قال
أبو علي الفارسي : التقدير : ولقاهم نضرة وسرورا حال ما يكون عاليهم ثياب سندس .
وثانيها : التقدير : وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا حال ما يكون عاليهم ثياب سندس .
وثالثها : أن يكون التقدير : ويطوف على الأبرار ولدان حال ما يكون
الأبرار عاليهم ثياب سندس .
ورابعها : حسبتهم لؤلؤا منثورا حال ما يكون عاليهم ثياب سندس ، فعلى الاحتمالات الثلاثة الأول تكون الثياب ثياب الأبرار ، وعلى الاحتمال الرابع تكون الثياب ثياب الولدان .
الوجه الثالث في سبب هذا النصب : أن يكون التقدير : رأيت أهل نعيم وملك عاليهم ثياب سندس .
المسألة الثانية : قرأ
نافع وعاصم : " خضر وإستبرق " كلاهما بالرفع ، وقرأ
الكسائي وحمزة كلاهما بالخفض ، وقرأ
ابن كثير : " خضر " بالخفض ، و " إستبرق " بالرفع ، وقرأ
أبو عمرو وعبد الله بن عامر : " خضر " بالرفع ،
[ ص: 224 ] و " إستبرق " بالخفض ، وحاصل الكلام فيه أن خضرا يجوز فيه الخفض والرفع ، أما الرفع فإذا جعلتها صفة لثياب ، وذلك ظاهر ؛ لأنها صفة مجموعة لموصوف مجموعة ، وأما الخفض فإذا جعلتها صفة سندس ؛ لأن " سندس " أريد به الجنس ، فكان في معنى الجمع ، وأجاز
الأخفش وصف اللفظ الذي يراد به الجنس بالجمع ، كما يقال : أهلك الناس الدينار الصفر ، والدرهم البيض ، إلا أنه قال : إنه قبيح ، والدليل على قبحه أن العرب تجيء بالجمع الذي هو في لفظ الواحد فيجرونه مجرى الواحد ، وذلك قولهم : حصى أبيض ، وفي التنزيل (
من الشجر الأخضر ) [ يس : 80 ] و (
أعجاز نخل منقعر ) [ القمر : 20 ] إذ كانوا قد أفردوا صفات هذا الضرب من الجمع ، فالواحد الذي في معنى الجمع أولى أن تفرد صفته . وأما " إستبرق " فيجوز فيه الرفع والخفض أيضا معا ، أما الرفع فإذا أريد به العطف على الثياب ، كأنه قيل : " ثياب سندس وإستبرق " وأما الخفض فإذا أريد إضافة الثياب إليه ؛ كأنه قيل : " ثياب سندس وإستبرق " والمعنى ثيابهما ، فأضاف الثياب إلى الجنسين ، كما يقال : ثياب خز وكتان ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (
ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ) واعلم أن حقائق هذه الآية قد تقدمت في سورة الكهف .
المسألة الثالثة : السندس ما رق من الديباج ، والإستبرق ما غلظ منه ، وكل ذلك داخل في اسم الحرير ، قال تعالى : (
ولباسهم فيها حرير ) ثم قيل : إن الذين هذا لباسهم هم الولدان المخلدون ، وقيل : هذا لباس الأبرار ، وكأنهم يلبسون عدة من الثياب ، فيكون الذي يعلوها أفضلها ، ولهذا قال : (
عاليهم ) وقيل : هذا من تمام قوله : (
متكئين فيها على الأرائك ) ، ومعنى (
عاليهم ) أي : فوق حجالهم المضروبة عليهم ثياب سندس ، والمعنى أن حجالهم من الحرير والديباج .