(
إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) ثم قال تعالى : (
إن الله كان عليما حكيما ) أي : عليما بأحوالهم وما يكون منهم ؛ حيث خلقهم مع علمه بهم .
ثم ختم السورة فقال : (
يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) اعلم أن خاتمة هذه السورة عجيبة ؛ وذلك لأن قوله : (
وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) يدل على أن
جميع ما يصدر عن العبد فبمشيئة الله ، وقوله : (
يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) يدل على أن
دخول الجنة والنار ليس إلا بمشيئة الله ، فخرج من آخر هذه السورة إلا الله ، وما هو من الله ، وذلك هو التوحيد المطلق الذي هو آخر سير الصديقين ومنتهى معارجهم في أفلاك المعارف الإلهية ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
يدخل من يشاء في رحمته ) إن فسرنا الرحمة بالإيمان ، فالآية صريحة في أن الإيمان من الله ، وإن فسرناها بالجنة كان دخول الجنة بسبب مشيئة الله وفضله وإحسانه ، لا بسبب الاستحقاق ؛ وذلك لأنه لو ثبت الاستحقاق لكان تركه يفضي إلى الجهل والحاجة المحالين على الله ، والمفضي إلى المحال محال ، فتركه محال ، فوجوده واجب عقلا ، وعدمه ممتنع عقلا ، وما كان كذلك لا يكون معلقا على المشيئة ألبتة ، وأيضا فلأن من كان مديونا من إنسان فأدى ذلك الدين إلى مستحقه ، لا يقال بأنه إنما دفع ذلك القدر إليه على سبيل الرحمة والتفضل .
المسألة الثانية : قوله : (
والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) يدل على أنه جف القلم بما هو كائن ؛ لأن معنى " أعد " أنه علم ذلك وقضى به وأخبر عنه وكتبه في اللوح المحفوظ ، ومعلوم أن التغيير على هذه الأشياء محال ، فكان الأمر على ما بيناه وقلناه .
المسألة الثالثة : قال
الزجاج : نصب " الظالمين " لأن قبله منصوبا ، والمعنى : يدخل من يشاء في رحمته ، ويعذب الظالمين . وقوله : (
أعد لهم عذابا أليما ) كالتفسير لذلك المضمر ، وقرأ
عبد الله بن الزبير : " والظالمون " ، وهذا ليس باختيار ؛ لأنه معطوف على " يدخل من يشاء " ، وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية غير حسن ، وأما قوله في " حم عسق " (
يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ) فإنما ارتفع لأنه لم يذكر بعده فعل يقع عليه فينصبه في المعنى ، فلم يجز أن يعطف على المنصوب قبله ، فارتفع بالابتداء ، وههنا قوله : (
أعد لهم عذابا أليما ) يدل على ذلك الناصب المضمر ، فظهر الفرق ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ، وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم .