(
فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت وإذا الجبال نسفت وإذا الرسل أقتت )
أولها : قوله تعالى : (
فإذا النجوم طمست ) وذكرنا تفسير الطمس عند قوله : (
ربنا اطمس على أموالهم ) [ يونس : 88 ] ، وبالجملة فيحتمل أن يكون المراد محقت ذواتها ، وهو موافق لقوله : (
انتثرت ) ، و (
انكدرت ) وأن يكون المراد محقت أنوارها ، والأول أولى ؛ لأنه لا حاجة فيه إلى الإضمار . ويجوز أن
يمحق نورها ثم تنتثر ممحوقة النور .
وثانيها : قوله : (
وإذا السماء فرجت ) الفرج الشق ، يقال : فرجه الله فانفرج ، وكل مشقوق فرج ، فههنا قوله : " فرجت " أي : شقت ، نظيره (
إذا السماء انشقت ) [ الانشقاق : 1 ] ، (
ويوم تشقق السماء بالغمام ) [ الفرقان : 25 ] وقال ابن
قتيبة : معناه فتحت ، نظيره (
وفتحت السماء ) ، قال الشاعر :
الفارجي باب الأمير المبهم
وثالثها : قوله : (
وإذا الجبال نسفت ) ، وفيه وجهان :
أحدهما :
نسفت كالحب المغلث إذا نسف بالمنسف ، ومنه قوله : (
لنحرقنه ثم لننسفنه ) [ طه : 97 ] ، ونظيره (
وبست الجبال بسا ) [ الواقعة : 5 ] ، (
وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) [ المزمل : 14 ] ، (
فقل ينسفها ربي نسفا ) [ طه : 105 ] .
والثاني : اقتلعت بسرعة من أماكنها ، من انتسفت الشيء إذا اختطفته ، وقرئ : " طمست " و " فرجت " و " نسفت " مشددة .
[ ص: 238 ] ورابعها : قوله تعالى : (
وإذا الرسل أقتت ) ؛ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : " أقتت " أصلها وقتت ، ويدل عليه وجوه :
أحدها : قراءة
أبي عمرو : " وقتت " بالواو .
وثانيها : أن أصل الكلمة من الوقت .
وثالثها : أن
كل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة ، فإنها تبدل على الاطراد همزة أولا وحشوا ، ومن ذلك أن تقول : صلى القوم إحدانا ، وهذه أجوه حسان ، وأدؤر في جمع دار ، والسبب فيه أن الضمة من جنس الواو ، فالجمع بينها يجري مجرى جمع المثلين فيكون ثقيلا ، ولهذا السبب كان كسر الياء ثقيلا .
أما قوله تعالى : (
ولا تنسوا الفضل بينكم ) [ البقرة : 237 ] فلا يجوز فيه البدل ؛ لأن الضمة غير لازمة ، ألا ترى أنه لا يسوغ في نحو قولك : (
هذا الوعد ) [ الأنبياء : 38] أن تبدل .
المسألة الثانية : في التأقيت قولان :
الأول ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد والزجاج : أنه تبيين الوقت الذي فيه يحضرون للشهادة على أممهم ، وهذا ضعيف ؛ وذلك لأن هذه الأشياء جعلت علامات لقيام القيامة ، كأنه قيل : إذا كان كذا وكذا كانت القيامة ، ولا يليق بهذا الموضع أن يقال : وإذا بين لهم الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم قامت القيامة ؛ لأن ذلك البيان كان حاصلا في الدنيا ، ولأن الثلاثة المتقدمة ، وهي الطمس والفرج والنسف مختصة بوقت قيام القيامة ، فكذا هذا التوقيت يجب أن يكون مختصا بوقت قيام القيامة .
القول الثاني : أن المراد بهذا التأقيت تحصيل الوقت وتكوينه ، وهذا أقرب أيضا إلى مطابقة اللفظ ؛ لأن بناء التفعيلات على تحصيل تلك الماهيات ، فالتسويد تحصيل السواد ، والتحريك تحصيل الحركة ، فكذا التأقيت تحصيل الوقت ، ثم إنه ليس في اللفظ بيان أنه تحصيل لوقت أي شيء ، وإنما لم يبين ذلك ولم يعين لأجل أن يذهب الوهم إلى كل جانب ، فيكون التهويل فيه أشد ، فيحتمل أن يكون المراد تكوين الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم ، وأن يكون هو الوقت الذي يجتمعون فيه للفوز بالثواب ، وأن يكون هو وقت
سؤال الرسل عما أجيبوا به وسؤال الأمم عما أجابوهم ، كما قال : (
فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) [الأعراف : 6] ، وأن يكون هو الوقت الذي يشاهدون الجنة والنار والعرض والحساب والوزن وسائر أحوال القيامة ، وإليه الإشارة بقوله : (
ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) [ الزمر : 6 ] .