(
يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا )
وثانيها قوله تعالى : (
يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ) .
اعلم أن (
يوم ينفخ ) بدل من يوم الفصل، أو عطف بيان، وهذا النفخ هو النفخة الأخيرة التي عندها يكون الحشر،
والنفخ في الصور فيه قولان : أحدهما : أن الصور جمع الصورة، فالنفخ في الصورة عبارة عن نفخ الأرواح في الأجساد . والثاني : أن الصورة عبارة عن قرن ينفخ فيه . وتمام الكلام في الصور وما قيل فيه قد تقدم في سورة الزمر، وقوله : (
فتأتون أفواجا ) معناه أنهم
يأتون ذلك المقام فوجا فوجا حتى يتكامل اجتماعهم . قال عطاء : كل نبي يأتي مع أمته، ونظيره قوله تعالى : (
يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) [الإسراء : 71] وقيل : جماعات مختلفة . وروى صاحب الكشاف
عن معاذ أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه، فقال عليه السلام : " يا معاذ سألت عن أمر عظيم من الأمور، ثم أرسل عينيه وقال : يحشر عشرة أصناف من أمتي بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون ، أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها، وبعضهم عمي، وبعضهم صم بكم، وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلبون على [ ص: 11 ] جذوع من نار، وبعضهم أشد نتنا من الجيف، وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم . فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس، وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت، وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا، وأما العمي فالذين يجورون في الحكم ، وأما الصم والبكم فالمعجبون بأعمالهم، وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين يخالف قولهم أعمالهم، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران، وأما المصلبون على جذوع من النار فالسعاة بالناس إلى السلطان، وأما الذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق الله تعالى من أموالهم، وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء " .