المسألة العاشرة :
قالوا :
الحرف ما جاء لمعنى في غيره ، وهذا لفظ مبهم : لأنهم إن أرادوا معنى الحرف أن الحرف ما دل على معنى يكون المعنى حاصلا في غيره وحالا في غيره ، لزمهم أن تكون أسماء الأعراض والصفات كلها حروفا ، وإن أرادوا به أنه الذي دل على معنى يكون مدلول ذلك اللفظ غير ذلك المعنى ، فهذا ظاهر الفساد ، وإن أرادوا به معنى ثالثا فلا بد من بيانه .
المسألة الحادية عشرة :
التركيبات الممكنة من هذه الثلاثة ستة :
الاسم مع الاسم وهو الجملة الحاصلة من المبتدأ والخبر ،
والاسم مع الفعل وهو الجملة الحاصلة من الفعل والفاعل ، وهاتان الجملتان مفيدتان بالاتفاق ، وأما الثالث - وهو
الاسم مع الحرف - فقيل : إنه يفيد في صورتين :
الصورة الأولى :
قولك " يا زيد " فقيل : ذلك إنما أفاد ؛ لأن قولنا يا زيد في تقدير أنادي ، واحتجوا على صحة قولهم بوجهين :
الأول : أن لفظ يا تدخله الإمالة ، ودخول الإمالة لا يكون إلا في الاسم أو الفعل .
والثاني : أن لام الجر تتعلق بها فيقال : " يا لزيد " فإن هذه اللام لام الاستغاثة وهي حرف جر ، ولو لم يكن قولنا (يا) قائمة مقام الفعل وإلا لما جاز أن يتعلق بها حرف الجر : لأن الحرف لا يدخل على الحرف ومنهم من أنكر أن يكون (يا) بمعنى أنادي ، واحتج عليه بوجوه :
الأول : أن قوله أنادي إخبار عن النداء ، والإخبار عن الشيء مغاير للمخبر عنه ، فوجب أن يكون قولنا : أنادي زيدا مغايرا لقولنا : يا زيد .
الثاني : أن قولنا : أنادي زيدا ، كلام محتمل للتصديق والتكذيب ، وقولنا : يا زيد ، لا يحتملها .
الثالث : أن قولنا يا زيد ليس خطابا إلا مع المنادى ، وقولنا : أنادي زيدا غير مختص بالمنادى .
الرابع : أن قولنا : يا زيد يدل على حصول النداء في الحال ، وقولنا : أنادي زيدا لا يدل على اختصاصه بالحال .
الخامس : أنه يصح أن يقال : أنادي زيدا قائما ، ولا يصح أن يقال : يا زيد قائما ، فدلت هذه الوجوه الخمسة على حصول التفرقة بين هذين اللفظين .
الصورة الثانية :
قولنا : " زيد في الدار " فقولنا زيد مبتدأ ، والخبر هو ما دل عليه قولنا في ، إلا أن المفهوم من معنى الظرفية قد يكون في الدار أو في المسجد ، فأضيفت هذه الظرفية إلى الدار لتتميز هذه الظرفية عن سائر أنواعها ، فإن قالوا : هذا الكلام إنما أفاد ؛ لأن التقدير زيد استقر في الدار وزيد مستقر في الدار ، فنقول : هذا باطل : لأن قولنا استقر معناه حصل في الاستقرار ، فكان قولنا فيه يفيد حصولا آخر : وهو أنه حصل فيه
[ ص: 43 ] حصول ذلك الاستقرار ، وذلك يفضي إلى التسلسل وهو محال ، فثبت أن قولنا : زيد في الدار ، كلام تام ولا يمكن تعليقه بفعل مقدر مضمر .