(
إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر )
فقال :
(
إنه على رجعه لقادر ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : الضمير في أنه للخالق مع أنه لم يتقدم ذكره ، والسبب فيه وجهان :
الأول : دلالة ( خلق ) عليه ، والمعنى أن ذلك الذي خلق قادر على رجعه .
الثاني : أنه وإن لم يتقدم ذكره لفظا ، ولكن تقدم ذكر ما يدل عليه سبحانه ، وقد تقرر في بداءة العقول أن القادر على هذه التصرفات ، هو الله سبحانه وتعالى ، فلما كان ذلك في غاية الظهور كان كالمذكور .
المسألة الثانية : الرجع مصدر رجعت الشيء إذا رددته ، والكناية في قوله (
على رجعه ) إلى أي شيء ترجع ؟ فيه وجهان :
أولهما : وهو الأقرب أنه راجع إلى الإنسان ، والمعنى أن
الذي قدر على خلق الإنسان ابتداء وجب أن يقدر بعد موته على رده حيا ، وهو كقوله تعالى : (
قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ) [ يس : 79 ] وقوله : (
وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] .
وثانيهما : أن الضمير غير عائد إلى الإنسان ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : قادر على أن يرد الماء في الإحليل ، وقال
عكرمة والضحاك : على أن يرد الماء في الصلب . وروي أيضا عن
الضحاك أنه قادر على رد الإنسان ماء كما كان قبل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل بن حيان : إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الصبا ، ومن الصبا إلى النطفة . واعلم أن القول الأول أصح ، ويشهد له قوله : (
يوم تبلى السرائر ) أي أنه قادر على بعثه يوم القيامة ، ثم إنه سبحانه لما أقام الدليل على صحة القول بالبعث والقيامة ، وصف حاله في ذلك اليوم فقال : (
يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ( يوم ) منصوب برجعه ومن جعل الضمير في رجعه للماء وفسره برجعه إلى مخرجه من الصلب والترائب أو إلى الحالة الأولى نصب الظرف بقوله : (
فما له من قوة ) أي ما له من قوة ذلك اليوم .
المسألة الثانية : (
تبلى ) أي تختبر ، والسرائر ما أسر في القلوب من العقائد والنيات ، وما أخفي من الأعمال ، وفي كيفية الابتلاء والاختبار هاهنا أقوال :
الأول : ما ذكره
القفال معنى الاختبار هاهنا أن أعمال الإنسان يوم القيامة تعرض عليه وينظر أيضا في الصحيفة التي كتبت الملائكة فيها تفاصيل أعمالهم ليعلم أن المذكور هل هو مطابق للمكتوب ، ولما كانت المحاسبة يوم القيامة واقعة على هذا الوجه جاز أن يسمى هذا المعنى ابتلاء ، وهذه التسمية غير بعيدة لعباده لأنها ابتلاء وامتحان ، وإن كان عالما بتفاصيل ما عملوه وما لم يعملوه .
والوجه الثاني : أن الأفعال إنما يستحق عليها الثواب والعقاب لوجوهها ، فرب فعل يكون ظاهره حسنا
[ ص: 120 ] وباطنه قبيحا ، وربما كان بالعكس . فاختبارها ما يعتبر بين تلك الوجوه المتعارضة من المعارضة والترجيح ، حتى يظهر أن الوجه الراجح ما هو ، والمرجوح ما هو .
الثالث : قال
أبو مسلم : بلوت يقع على إظهار الشيء ويقع على امتحانه كقوله : (
ونبلو أخباركم ) [ محمد : 31 ] وقوله : (
ولنبلونكم ) ثم قال المفسرون : " السرائر " التي تكون بين الله وبين العبد تختبر يوم القيامة حتى يظهر خبرها من سرها ومؤديها من مضيعها ، وهذا معنى قول
ابن عمر رضي الله عنهما : يبدي الله يوم القيامة كل سر منها ، فيكون زينا في الوجوه وشينا في الوجوه ، يعني من أداها كان وجهه مشرقا ومن ضيعها كان وجهه أغبر .
المسألة الثالثة : دلت الآية على أنه لا قوة للعبد ذلك اليوم ، لأن قوة الإنسان إما أن تكون له لذاته أو مستفادة من غيره ، فالأول منفي بقوله تعالى : (
فما له من قوة ) والثاني منفي بقوله : (
ولا ناصر ) والمعنى ما له من قوة يدفع بها عن نفسه ما حل من العذاب (
ولا ناصر ) ينصره في دفعه ولا شك أنه زجر وتحذير ، ومعنى دخول من في قوله : (
من قوة ) على وجه النفي لقليل ذلك وكثيره ، كأنه قيل : ما له من شيء من القوة ولا أحد من الأنصار .
المسألة الرابعة : يمكن أن يتمسك بهذه الآية في
نفي الشفاعة ، كقوله تعالى : (
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) [ البقرة : 123 ] إلى قوله : (
ولا هم ينصرون ) [ البقرة : 123 ] ، الجواب : ما تقدم .