(
فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر )
قوله تعالى : (
فذكر إنما أنت مذكر )
اعلم أنه تعالى لما بين الدلائل على صحة التوحيد والمعاد ، قال لرسوله صلى الله عليه وسلم : (
فذكر إنما أنت مذكر ) وتذكير الرسول إنما يكون بذكر هذه الأدلة وأمثالها والبعث على النظر فيها والتحذير من ترك تلك ، وذلك بعث منه تعالى للرسول على التذكير والصبر على كل عارض معه ، وبيان أنه إنما بعث لذلك دون غيره ، فلهذا قال : (
إنما أنت مذكر ) .
قوله تعالى : (
لست عليهم بمسيطر )
قال صاحب " الكشاف " : (
بمسيطر ) بمسلط ، كقوله : (
وما أنت عليهم بجبار ) [ ق : 45 ] وقوله : (
أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) [ يونس : 99 ] وقيل : هو في لغة
تميم مفتوح الطاء على أن سيطر متعد عندهم ، والمعنى أنك ما أمرت إلا بالتذكير ، فإما أن تكون مسلطا عليهم حتى تقتلهم ، أو تكرههم على الإيمان فلا ، قالوا : ثم نسختها آية القتال ، هذا قول جميع المفسرين ، والكلام في تفسير هذا الحرف قد تقدم عند قوله : (
أم هم المسيطرون ) [ الطور : 37 ] .
أما قوله تعالى : (
إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر )
ففيه مسائل .
المسألة الأولى : في الآية قولان :
أحدهما : أنه استثناء حقيقي ، وعلى هذا التقدير هذا الاستثناء استثناء عن ماذا ؟
فيه احتمالان :
الأول : أن يقال التقدير : فذكر إلا من تولى وكفر .
والثاني : أنه استثناء عن الضمير في (
عليهم ) والتقدير : لست عليهم بمسيطر إلا من تولى . واعترض عليه بأنه عليه السلام ما كان حينئذ مأمورا بالقتال وجوابه : لعل المراد أنك لا تصير مسلطا إلا على من تولى .
القول الثاني : أنه استثناء منقطع عما قبله ، كما تقول في الكلام : قعدنا نتذاكر العلم ، إلا أن كثيرا من الناس لا يرغب ، فكذا ههنا التقدير لست بمسئول عليهم ، لكن من تولى منهم فإن الله يعذبه
العذاب الأكبر الذي هو عذاب جهنم ، قالوا وعلامة كون الاستثناء منقطعا حسن دخول " أن " في المستثنى ، وإذا كان الاستثناء متصلا لم يحسن ذلك ، ألا ترى أنك تقول : عندي مائتان إلا درهما ، فلا تدخل عليه " أن " ، وههنا يحسن " أن " ، فإنك تقول : إلا أن من تولى وكفر فيعذبه الله .
المسألة الثانية : قرئ : ( ألا من تولى ) على التنبيه ، وفي قراءة
ابن مسعود : ( فإنه يعذبه ) .
المسألة الثالثة : إنما سماه العذاب الأكبر لوجوه :
أحدها : أنه قد بلغ حد عذاب الكفر وهو الأكبر ، لأن
[ ص: 146 ] ما عداه من عذاب الفسق دونه ، ولهذا قال تعالى : (
ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) [ السجدة : 21 ] .
وثانيها : هو العذاب في الدرك الأسفل في النار .
وثالثها : أنه قد يكون العذاب الأكبر حاصلا في الدنيا ، وذلك بالقتل وسبي الذرية وغنيمة الأموال ، القول الأول أولى وأقرب .