(
والأرض وما طحاها ونفس وما سواها )
أما قوله تعالى : (
والأرض وما طحاها ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : إنما أخر هذا عن قوله : (
والسماء وما بناها ) لقوله : (
والأرض بعد ذلك دحاها ) [ النازعات : 30 ] .
المسألة الثانية : قال
الليث : الطحو كالدحو وهو البسط ، وإبدال الطاء من الدال جائز ، والمعنى : وسعها . قال
عطاء والكلبي : بسطها على الماء .
أما قوله تعالى : (
ونفس وما سواها ) إن حملنا النفس على الجسد ، فتسويتها تعديل أعضائها على ما يشهد به علم التشريح ، وإن حملناها على القوة المدبرة ، فتسويتها إعطاؤها القوى الكثيرة كالقوة السامعة والباصرة والمخيلة والمفكرة والمذكورة ، على ما يشهد به علم النفس ، فإن قيل : لم نكرت النفس ؟ قلنا : فيه وجهان :
أحدهما : أن يريد به نفسا خاصة من بين النفوس ، وهي النفس القدسية النبوية ، وذلك لأن كل كثرة ، فلا بد فيها من واحد يكون هو الرئيس ، فالمركبات جنس تحته أنواع ورئيسها الحيوان ، والحيوان جنس تحته أنواع ورئيسها الإنسان ، والإنسان أنواع وأصناف ورئيسها النبي . والأنبياء كانوا كثيرين ، فلا بد وأن يكون هناك واحد يكون هو الرئيس المطلق ، فقوله : (
ونفس ) إشارة إلى تلك النفس التي هي رئيسة لعالم المركبات رياسة بالذات .
الثاني : أن يريد كل نفس ، ويكون المراد من التنكير التكثير على الوجه المذكور في قوله : (
علمت نفس ما أحضرت ) [ التكوير : 14 ] وذلك لأن الحيوان أنواع لا يحصي عددها إلا الله على ما قال بعد ذكر بعض الحيوانات : (
ويخلق ما لا تعلمون ) [ النحل : 8 ] ولكل نوع نفس مخصوصة متميزة
[ ص: 175 ] عن سائرها بالفصل المقوم لماهيته والخواص اللازمة لذلك الفصل ، فمن الذي يحيط عقله بالقليل من خواص نفس البق والبعوض ، فضلا عن التوغل في بحار أسرار الله سبحانه .