(
فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها )
أما قوله تعالى : (
فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : المراد من الرسول
صالح عليه السلام (
ناقة الله ) أي أنه أشار إليه لما هموا بعقرها وبلغه ما عزموا عليه ، وقال لهم هي : ناقة الله وآيته الدالة على توحيده وعلى نبوتي ، فاحذروا أن تقوموا عليها بسوء ، واحذروا أيضا أن يمنعوها من سقياها ، وقد بينا في مواضع من هذا الكتاب أنه كان لها شرب يوم ولهم ولمواشيهم شرب يوم ، وكانوا يستضرون بذلك في أمر مواشيهم ، فهموا بعقرها ، وكان
صالح عليه السلام يحذرهم حالا بعد حال من عذاب ينزل بهم إن أقدموا على ذلك ، وكانت هذه الحالة متصورة في نفوسهم ، فاقتصر على أن قال لهم : (
ناقة الله وسقياها ) لأن هذه الإشارة كافية مع الأمور المتقدمة التي ذكرناها .
المسألة الثانية : (
ناقة الله ) نصب على التحذير ، كقولك : الأسد الأسد ، والصبي الصبي بإضمار ذروا عقرها واحذروا سقياها ، فلا تمنعوها عنها ، ولا تستأثروا بها عليها .
ثم بين تعالى أن القوم لم يمتنعوا عن تكذيب
صالح ، وعن
عقر الناقة بسبب العذاب الذي أنذرهم الله تعالى به وهو المراد بقوله : (
فكذبوه فعقروها ) ثم يجوز أن يكون المباشر للعقر واحدا وهو قدار ، فيضاف الفعل إليه بالمباشرة ، كما قال : (
فتعاطى فعقر ) [ القمر : 29 ] ويضاف الفعل إلى الجماعة لرضاهم بما فعل ذلك الواحد . قال
قتادة : ذكر لنا أنه أبى أن يعقرها حتى بايعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم ، وهو قول أكثر المفسرين ، وقال
الفراء : قيل إنهما كانا اثنين .
أما قوله تعالى : (
فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ) فاعلم أن في الدمدمة وجوها :
أحدها : قال
الزجاج : معنى دمدم أطبق عليهم العذاب ، يقال : دمدمت على الشيء إذا أطبقت عليه ، ويقال : ناقة مدمومة ،
[ ص: 178 ] أي قد ألبسها الشحم ، فإذا كررت الإطباق قلت : دمدمت عليه . قال
الواحدي : الدم في اللغة اللطخ ، ويقال للشيء السمين : كأنما دم بالشحم دما ، فجعل
الزجاج " دمدم " من هذا الحرف على التضعيف نحو كبكبوا وبابه ، فعلى هذا معنى " دمدم عليهم " أطبق عليهم العذاب وعمهم كالشيء الذي يلطخ به من جميع الجوانب .
الوجه الثاني : تقول للشيء يدفن : دمدمت عليه ، أي : سويت عليه ، فيجوز أن يكون معنى " فدمدم عليهم " ، فسوى عليهم الأرض بأن أهلكهم فجعلهم تحت التراب .
الوجه الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : دمدم غضب ، والدمدمة الكلام الذي يزعج الرجل .
ورابعها : دمدم عليهم أرجف الأرض بهم رواه ثعلب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي ، وهو قول
الفراء ، أما قوله : (
فسواها ) يحتمل وجهين ، وذلك لأنا إن فسرنا الدمدمة بالإطباق والعموم ، كان معنى " فسوى " الدمدمة عليهم وعمهم بها ، وذلك أن
هلاكهم كان بصيحة جبريل عليه السلام ، وتلك الصيحة أهلكتهم جميعا ، فاستوت على صغيرهم وكبيرهم ، وإن فسرناها بالتسوية ، كان المراد فسوى عليهم الأرض .