(
وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى )
قوله تعالى : (
وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) معنى سيجنبها أي : سيبعدها ويجعل منها على جانب يقال : جنبته الشيء أي : بعدته وجنبته عنه ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : أجمع المفسرون منا على أن المراد منه
أبو بكر رضي الله تعالى عنه . واعلم أن
الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرواية ، ويقولون : إنها نزلت في حق
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب عليه السلام والدليل عليه قوله تعالى : (
ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) [ المائدة : 55 ] فقوله : (
الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ) إشارة إلى ما في الآية من قوله : (
يؤتون الزكاة وهم راكعون ) ولما ذكر ذلك بعضهم في محضري قلت : أقيم الدلالة العقلية على أن المراد من هذه الآية
أبو بكر ، وتقريرها : أن المراد من هذا الأتقى هو أفضل الخلق ، فإذا كان كذلك ، وجب أن يكون المراد هو
أبو بكر ، فهاتان المقدمتان متى صحتا صح المقصود ، إنما قلنا : إن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق لقوله تعالى : (
إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) والأكرم هو الأفضل ، فدل على أن
كل من كان أتقى وجب أن يكون أفضل ، فإن قيل : الآية دلت على أن كل من كان أكرم كان أتقى ، وذلك لا يقتضي أن كل من كان أتقى كان أكرم ، قلنا : وصف كون الإنسان أتقى معلوم مشاهد ، ووصف كونه أفضل غير معلوم ولا مشاهد ، والإخبار عن المعلوم بغير المعلوم هو الطريق الحسن ، أما عكسه فغير مفيد ، فتقدير الآية كأنه وقعت الشبهة في أن الأكرم عند الله من هو ؟ فقيل : هو الأتقى ، وإذا كان كذلك كان التقدير أتقاكم أكرمكم عند الله ، فثبت أن الأتقى المذكور ههنا لا بد وأن يكون أفضل الخلق عند الله ، فنقول : لا بد وأن يكون المراد به
أبا بكر ; لأن الأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله ، إما
أبو بكر أو
علي ، ولا يمكن حمل هذه الآية على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، فتعين حملها على
أبي بكر ، وإنما قلنا : إنه لا يمكن حملها على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب لأنه قال في صفة هذا الأتقى : (
وما لأحد عنده من نعمة تجزى )
[ ص: 186 ] وهذا الوصف لا يصدق على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ; لأنه كان في تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أخذه من أبيه وكان يطعمه ويسقيه ، ويكسوه ، ويربيه ، وكان الرسول منعما عليه نعمة يجب جزاؤها ، أما
أبو بكر فلم يكن للنبي عليه الصلاة والسلام عليه [ نعمة ] دنيوية ، بل
أبو بكر كان ينفق على الرسول عليه السلام ، بل كان للرسول عليه السلام عليه نعمة الهداية والإرشاد إلى الدين ، إلا أن هذا لا يجزى ، لقوله تعالى : (
ما أسألكم عليه من أجر ) [ الفرقان : 57 ] والمذكور ههنا ليس مطلق النعمة بل نعمة تجزى ، فعلمنا أن هذه الآية لا تصلح
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي بن أبي طالب ، وإذا ثبت أن المراد بهذه الآية من كان أفضل الخلق ، وثبت أن ذلك الأفضل من الأمة ، إما
أبو بكر أو
علي ، وثبت أن الآية غير صالحة
لعلي ، تعين حملها على
أبي بكر رضي الله عنه ، وثبت دلالة الآية أيضا على
أن أبا بكر أفضل الأمة ، وأما الرواية فهي أنه كان
بلالا [ عبدا ]
لعبد الله بن جدعان ، فسلح على الأصنام فشكا إليه المشركون فعله ، فوهبه لهم ، ومائة من الإبل ينحرونها لآلهتهم ، فأخذوه وجعلوا يعذبونه في الرمضاء وهو يقول : أحد ، أحد ، فمر به رسول الله ، وقال : ينجيك أحد ، أحد . ثم أخبر رسول الله
أبا بكر أن
بلالا يعذب في الله ; فحمل
أبو بكر رطلا من ذهب فابتاعه به ، فقال المشركون : ما فعل ذلك
أبو بكر إلا ليد كانت
لبلال عنده ، فنزل : (
وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) وقال
ابن الزبير وهو على المنبر : كان
أبو بكر يشتري الضعفة من العبيد فيعتقهم ، فقال له أبوه : يا بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك ، فقال : منع ظهري أريد . فنزلت هذه الآية .
المسألة الثانية : قال صاحب " الكشاف " في محل : (
يتزكى ) وجهان : إن جعلته بدلا من (
يؤتي ) فلا محل له ; لأنه داخل في حكم الصلة ، والصلات لا محل لها ، وإن جعلته حالا من الضمير في (
يؤتي ) فمحله النصب .