المسألة الثانية : اختلف الفقهاء في
دخول الكافر المسجد ، فجوزه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة مطلقا ، وأباه
مالك مطلقا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : يمنع من دخول الحرم
والمسجد الحرام ، واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بوجوه :
أولها : قوله تعالى : (
إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) [ التوبة : 28 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : قد يكون المراد من
المسجد الحرام الحرم ؛ لقوله تعالى : (
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) [ الإسراء : 1 ] وإنما أسري به من بيت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة . فالآية دالة إما على المسجد فقط ، أو على الحرم كله ، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل ؛ لأن الخلاف حاصل فيهما جميعا ، فإن قيل : المراد به الحج ، ولهذا قال : (
بعد عامهم هذا ) لأن الحج إنما يفعل في السنة مرة واحدة ، قلنا : هذا ضعيف لوجوه : أحدها : أنه ترك للظاهر من غير موجب .
الثاني : ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم ، وهذا يقتضي أن المانع من قربهم من المسجد الحرام نجاستهم ، وذلك يقتضي أنهم ما داموا مشركين كانوا ممنوعين عن المسجد الحرام .
الثالث : أنه تعالى لو أراد الحج لذكر من البقاع ما يقع فيه معظم أركان الحج ، وهو عرفة .
الرابع : الدليل على أن المراد دخول الحرم لا الحج فقط - قوله تعالى : (
وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ) [ التوبة : 28 ] فأراد به الدخول للتجارة .
وثانيها : قوله تعالى : (
أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) وهذا يقتضي أن يمنعوا من دخول المسجد ، وأنهم متى دخلوا كانوا خائفين من الإخراج إلا ما قام عليه الدليل ، فإن قيل : هذه الآية مخصوصة بمن خرب
بيت المقدس ، أو بمن منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العبادة في
الكعبة ، وأيضا فقوله : (
ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) ليس المراد منه خوف الإخراج ، بل خوف الجزية والإخراج .
قلنا : الجواب عن الأول : أن قوله تعالى : (
ومن أظلم ممن منع مساجد الله ) ظاهر في العموم ، فتخصيصه ببعض الصور خلاف
[ ص: 17 ] الظاهر .
وعن الثاني : أن الظاهر قوله : (
ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) يقتضي أن يكون ذلك الخوف إنما حصل من الدخول ، وعلى ما يقولونه لا يكون الخوف متولدا من الدخول ، بل من شيء آخر ، فسقط كلامهم .
وثالثها : قوله تعالى : (
ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) [ التوبة : 17 ] وعمارتها تكون بوجهين :
أحدهما : بناؤها وإصلاحها .
والثاني : حضورها ولزومها ، كما تقول : فلان يعمر مسجد فلان ، أي : يحضره ويلزمه ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011616إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان " ، وذلك لقوله تعالى : (
إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) [ التوبة : 18 ] ، فجعل حضور المساجد عمارة لها .
ورابعها : أن الحرم واجب التعظيم ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الدعاء : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011617اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة " فصونه عما يوجب تحقيره واجب ، وتمكين الكفار من الدخول فيه تعريض للبيت للتحقير ؛ لأنهم لفساد اعتقادهم فيه ربما استخفوا به وأقدموا على تلويثه وتنجيسه .
وخامسها : أن الله تعالى أمر بتطهير البيت في قوله : (
وطهر بيتي للطائفين ) [ الحج : 26 ] ، والمشرك نجس لقوله تعالى : (
إنما المشركون نجس ) [ التوبة : 28 ] والتطهير على النجس واجب ، فيكون تبعيد الكفار عنه واجبا .
وسادسها : أجمعنا على أن الجنب يمنع منه ، فالكافر بأن يمنع منه أولى إلا أن هذا مقتضى مذهب
مالك ، وهو أن يمنع عن كل المساجد ، واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله بأمور :
الأول :
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قدم عليه وفد يثرب فأنزلهم المسجد .
الثاني : قوله عليه الصلاة والسلام : "
من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل الكعبة فهو آمن " ، وهذا يقتضي إباحة الدخول .
الثالث : الكافر جاز له دخول سائر المساجد ، فكذلك المسجد الحرام كالمسلم ، والجواب عن الحديثين الأولين : أنهما كانا في أول الإسلام ثم نسخ ذلك بالآية ، وعن القياس أن المسجد الحرام أجل قدرا من سائر المساجد ، فظهر الفرق والله أعلم .