المسألة الثانية : الكفار كانوا جنسين :
أحدهما :
أهل الكتاب كفرق
اليهود والنصارى وكانوا كفارا بإحداثهم في دينهم ما كفروا به كقولهم : " عزير ابن الله " و " المسيح ابن الله " وتحريفهم كتاب الله ودينه .
والثاني : المشركون الذين كانوا لا ينسبون إلى كتاب ، فذكر الله تعالى الجنسين بقوله : (
الذين كفروا ) على الإجمال ثم أردف ذلك الإجمال بالتفصيل ، وهو قوله : (
من أهل الكتاب والمشركين ) وههنا سؤالان :
[ ص: 39 ] السؤال الأول : تقدير الآية : لم يكن الذين كفروا من
أهل الكتاب ومن المشركين فهذا يقتضي أن
أهل الكتاب منهم كافر ومنهم ليس بكافر ، وهذا حق ، وأن المشركين منهم كافر ومنهم ليس بكافر ، ومعلوم أن هذا ليس بحق .
والجواب من وجوه :
أحدها : كلمة "من" ههنا ليست للتبعيض بل للتبيين كقوله : (
فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) [الحج : 30] .
وثانيها : أن الذين كفروا
بمحمد عليه الصلاة والسلام ، بعضهم من
أهل الكتاب وبعضهم من المشركين ، فإدخال كلمة من لهذا السبب .
وثالثها : أن يكون قوله : (
والمشركين ) أيضا وصفا
لأهل الكتاب ، وذلك لأن
النصارى مثلثة
واليهود عامتهم مشبهة ، وهذا كله شرك ، وقد يقول القائل : جاءني العقلاء والظرفاء يريد بذلك قوما بأعيانهم يصفهم بالأمرين .
وقال تعالى : (
الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله ) [التوبة : 112] وهذا وصف لطائفة واحدة ، وفي القرآن من هذا الباب كثير ، وهو أن ينعت قوم بنعوت شتى ، يعطف بعضها على بعض بواو العطف ويكون الكل وصفا لموصوف واحد .
السؤال الثاني :
المجوس هل يدخلون في أهل الكتاب ؟ قلنا : ذكر بعض العلماء أنهم داخلون في
أهل الكتاب لقوله عليه السلام : "
سنوليهم سنة أهل الكتاب " وأنكره الآخرون قال : لأنه تعالى إنما ذكر من الكفار من كان في بلاد العرب ، وهم
اليهود والنصارى ، قال تعالى حكاية عنهم : (
أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ) [الأنعام : 156] والطائفتان هم
اليهود والنصارى .
السؤال الثالث : ما الفائدة في تقديم
أهل الكتاب في الكفر على المشركين ؟ حيث قال : (
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ) ؟ الجواب : أن الواو لا تفيد الترتيب ، ومع هذا ففيه فوائد :
أحدها : أن السورة مدنية فكأن
أهل الكتاب هم المقصودون بالذكر .
وثانيها : أنهم كانوا علماء بالكتب فكانت قدرتهم على معرفة صدق
محمد أتم ، فكان إصرارهم على الكفر أقبح .
وثالثها : أنهم لكونهم علماء يقتدي غيرهم بهم فكان كفرهم أصلا لكفر غيرهم ، فلهذا قدموا في الذكر .
ورابعها : أنهم لكونهم علماء أشرف من غيرهم فقدموا في الذكر .
السؤال الرابع : لم قال من
أهل الكتاب ، ولم يقل من
اليهود والنصارى ؟ الجواب : لأن قوله : (
من أهل الكتاب ) يدل على كونهم علماء ، وذلك يقتضي إما مزيد تعظيم ، فلا جرم ذكروا بهذا اللقب دون
اليهود والنصارى ، أو لأن كونه عالما يقتضي مزيد قبح في كفره ، فذكروا بهذا الوصف تنبيها على تلك الزيادة من العقاب .