(
بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ) أما قوله تعالى : (
بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ) ففيه سؤالان :
السؤال الأول : بم تعلقت الباء في قوله : (
بأن ربك ) ؟ الجواب : بـ"تحدث" ، ومعناه تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها .
السؤال الثاني : لم لم يقل أوحى إليها ؟ الجواب : فيه وجهان :
الأول : قال
أبو عبيدة : (
أوحى لها ) أي أوحى إليها وأنشد
العجاج :
أوحى لها القرار فاستقرت
الثاني : لعله إنما قال : لها ؛ أي : فعلنا ذلك لأجلها حتى تتوسل الأرض بذلك إلى التشفي من العصاة .
قوله تعالى : (
يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ) الصدور ضد الورود ، فالوارد : الجائي ، والصادر : المنصرف ، وأشتاتا : متفرقين ، فيحتمل أن يردوا الأرض ، ثم
يصدرون عن الأرض إلى عرصة القيامة ، ويحتمل أن يردوا عرصة القيامة للمحاسبة ثم يصدرون عنها إلى موضع الثواب والعقاب ، فإن قوله : (
أشتاتا ) أقرب إلى الوجه الأول ولفظة الصدر أقرب إلى الوجه الثاني ، وقوله : (
ليروا أعمالهم ) أقرب إلى الوجه الأول لأن رؤية أعمالهم مكتوبة في الصحائف أقرب إلى الحقيقة من رؤية جزاء الأعمال ، وإن صح أيضا أن يحمل على رؤية جزاء الأعمال ، وقوله : (
أشتاتا ) فيه وجوه :
أحدها : أن بعضهم يذهب إلى الموقف راكبا مع الثياب الحسنة وبياض الوجه والمنادي ينادي بين يديه : هذا ولي الله ، وآخرون يذهب بهم سود الوجوه حفاة عراة مع السلاسل والأغلال والمنادي ينادي بين يديه هذا عدو الله .
وثانيها : أشتاتا أي : كل فريق مع شكله ؛ اليهودي مع اليهودي ، والنصراني مع النصراني .
وثالثها : أشتاتا من أقطار الأرض من كل ناحية ، ثم إنه سبحانه ذكر المقصود وقال : (
ليروا أعمالهم ) قال بعضهم : ليروا صحائف أعمالهم ، لأن الكتابة يوضع بين يدي الرجل فيقول : هذا طلاقك وبيعك هل تراه والمرئي وهو الكتاب . وقال آخرون : ليروا جزاء أعمالهم ، وهو الجنة أو النار ، وإنما أوقع اسم العمل على الجزاء لأنه الجزاء وفاق ، فكأنه نفس العمل ، بل المجاز في ذلك أدخل من الحقيقة ، وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم : " ليروا " بالفتح .
[ ص: 58 ]