(
إن ربهم بهم يومئذ لخبير )
ثم
قال : ( إن ربهم بهم يومئذ لخبير ) اعلم أن فيه سؤالات :
الأول : أنه يوهم أن علمه بهم في ذلك اليوم إنما حصل بسبب الخبرة ، وذلك يقتضي سبق الجهل وهو على الله تعالى محال : الجواب من وجهين :
أحدهما : كأنه تعالى يقول : إن من لم يكن عالما ، فإنه يصير بسبب الاختبار عالما ، فمن كان لم يزل عالما أن يكون خبيرا بأحوالك !
وثانيهما : أن فائدة تخصيص ذلك الوقت في قوله : (
يومئذ ) مع كونه عالما لم يزل أنه وقت الجزاء ، وتقريره لمن الملك كأنه يقول : لا حاكم
[ ص: 66 ] يروج حكمه ولا عالم تروج فتواه يومئذ إلا هو ، وكم عالم لا يعرف الجواب وقت الواقعة ثم يتذكره بعد ذلك ، فكأنه تعالى يقول : لست كذلك .
السؤال الثاني : لم خص أعمال القلوب بالذكر في قوله : (
وحصل ما في الصدور ) وأهمل ذكر أعمال الجوارح ؟ الجواب : لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلب . فإنه لولا البواعث والإرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح ، ولذلك إنه تعالى جعلها الأصل في الذم ، فقال : (
آثم قلبه ) [ البقرة : 283 ] والأصل في المدح ، فقال : (
وجلت قلوبهم ) . [الأنفال : 2 ]
السؤال الثالث : لم قال : (
وحصل ما في الصدور ) ولم يقل : وحصل ما في القلوب ؟ الجواب : لأن القلب مطية الروح وهو بالطبع محب لمعرفة الله وخدمته ، إنما المنازع في هذا الباب هو النفس ومحلها ما يقرب من الصدر ، ولذلك قال : (
يوسوس في صدور الناس ) [ الناس : 5 ] وقال : (
أفمن شرح الله صدره للإسلام ) [ الزمر : 22] فجعل الصدر موضعا للإسلام .
السؤال الرابع : الضمير في قوله : (
إن ربهم بهم ) عائد إلى الإنسان وهو واحد . والجواب : الإنسان في معنى الجمع كقوله تعالى : (
إن الإنسان لفي خسر ) [ العصر : 2] ثم قال : (
إلا الذين آمنوا ) [ العصر : 3 ] ولولا أنه للجمع وإلا لما صح ذلك . واعلم أنه بقي من مباحث هذه الآية مسألتان :
المسألة الأولى : هذه الآية تدل على
كونه تعالى عالما بالجزئيات الزمانيات ، لأنه تعالى نص على كونه عالما بكيفية أحوالهم في ذلك اليوم فيكون منكره كافرا .
المسألة الثانية : نقل أن
الحجاج سبق على لسانه أن بالنصب ، فأسقط اللام من قوله : (
لخبير ) حتى لا يكون الكلام لحنا ، وهذا يذكر في تقرير فصاحته ، فزعم بعض المشايخ أن هذا كفر لأنه قصد لتغيير المنزل . ونقل عن
أبي السموءل أنه قرأ على هذا الوجه ، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم .