(
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) أما قوله تعالى : (
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
فاعلم أنه تعالى لما بين في أهل الاستثناء أنهم بإيمانهم وعملهم الصالح خرجوا عن أن يكونوا في خسر وصاروا أرباب السعادة من حيث إنهم تمسكوا بما يؤديهم إلى الفوز بالثواب والنجاة من العقاب وصفهم بعد ذلك بأنهم قد صاروا لشدة محبتهم للطاعة لا يقتصرون على ما يخصهم بل يوصون غيرهم بمثل طريقتهم ليكونوا أيضا سببا لطاعات الغير كما ينبغي أن يكون عليه أهل الدين وعلى هذا الوجه قال تعالى : (
ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) [ التحريم : 6 ]
فالتواصي بالحق يدخل فيه سائر الدين من علم وعمل ، والتواصي بالصبر يدخل فيه حمل النفس على مشقة التكليف في القيام بما يجب ، وفي اجتنابهم ما يحرم ؛ إذ الإقدام على المكروه والإحجام عن المراد كلاهما شاق شديد ، وههنا مسائل :
المسألة الأولى : هذه الآية فيها وعيد شديد ، وذلك لأنه تعالى حكم بالخسار على جميع الناس إلا من كان آتيا بهذه الأشياء الأربعة ، وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، فدل ذلك على أن النجاة معلقة بمجموع هذه الأمور وإنه كما يلزم المكلف تحصيل ما يخص نفسه فكذلك يلزمه في غيره أمور ، منها الدعاء إلى الدين ، والنصيحة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن يحب له ما يحب لنفسه ، ثم كرر التواصي ليضمن الأول الدعاء إلى الله ، والثاني الثبات عليه ، والأول الأمر بالمعروف والثاني النهي عن المنكر ، ومنه قوله : (
وانه عن المنكر واصبر ) [ لقمان : 17 ] وقال
عمر : رحم الله من أهدى إلي عيوبي .
المسألة الثانية : دلت الآية على أن
الحق ثقيل ، وأن المحن تلازمه ، فلذلك قرن به التواصي .
المسألة الثالثة : إنما قال : ( وتواصوا ) ولم يقل : ويتواصون ؛ لئلا يقع أمرا بل الغرض مدحهم بما صدر عنهم في الماضي ، وذلك يفيد رغبتهم في الثبات عليه في المستقبل .
المسألة الرابعة : قرأ
أبو عمرو : "بالصبر " بشم الباء شيئا من الحرف لا يشبع ، قال
أبو علي : وهذا مما يجوز في الوقف ، ولا يكون في الوصل إلا على إجراء الوصل مجرى الوقف ، وهذا لا يكاد يكون في القراءة ، وعلى هذا ما يروى عن
سلام بن المنذر أنه قرأ ، " والعصر" بكسر الصاد ولعله وقف لانقطاع نفس أو لعارض منعه من إدراج القراءة ، وعلى هذا يحمل لا على إجراء الوصل مجرى الوقف ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم .