[ ص: 86 ] ( سورة الهمزة )
تسع آيات ، مكية
بسم الله الرحمن الرحيم (
ويل لكل همزة لمزة ) بسم الله الرحمن الرحيم (
ويل لكل همزة لمزة ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : الويل لفظة الذم والسخط ، وهي كلمة كل مكروب يتولون فيدعو بالويل وأصله وي لفلان ثم كثرت في كلامهم فوصلت باللام ، وروي أنه جبل في جهنم . إن قيل : لم قال ههنا : ( ويل ) وفي موضع آخر : (
ولكم الويل ) ؟ [ الأنبياء : 18] قلنا : لأن ثمة قالوا : (
ياويلنا إنا كنا ظالمين ) [ الأنبياء : 14 ] فقال : (
ولكم الويل ) وههنا نكر لأنه لا يعلم كنهه إلا الله ، وقيل : في ويل إنها كلمة تقبيح ، وويس استصغار وويح ترحم ، فنبه بهذا على قبح هذا الفعل ، واختلفوا في الوعيد الذي في هذه السورة هل يتناول كل من يتمسك بهذه الطريقة في الأفعال الرديئة أو هو مخصوص بأقوام معينين ، أما المحققون فقالوا : إنه عام لكل من يفعل هذا الفعل كائنا من كان وذلك لأن
خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ وقال آخرون : إنه مختص بأناس معينين ، ثم قال
عطاء والكلبي : نزلت في
الأخنس بن شريق كان يلمز الناس ويغتابهم وخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال
مقاتل : نزلت في
الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورائه ويطعن عليه في وجهه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13114محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أن هذه السورة نزلت في
أمية بن خلف ، قال
الفراء : وكون اللفظ عاما لا ينافي أن يكون المراد منه شخصا معينا ، كما أن إنسانا لو قال لك : لا أزورك أبدا . فتقول أنت : كل من لم يزرني لا أزوره . وأنت إنما تريده بهذه الجملة العامة وهذا هو المسمى في أصول الفقه بتخصيص العام بقرينة العرف .
[ ص: 87 ]
المسألة الثانية : الهمز الكسر قال تعالى : (
هماز مشاء ) [ القلم : 11 ] واللمز الطعن والمراد الكسر من أعراض الناس والغض منهم والطعن فيهم ، قال تعالى : (
ولا تلمزوا أنفسكم ) [ الحجرات : 11 ] وبناء فعله يدل على أن ذلك عادة منه قد ضري بها ونحوهما اللعنة والضحكة ، وقرئ : " ويل لكل همزة لمزة " بسكون الميم وهي المسخرة التي تأتي بالأوابد والأضاحيك فيضحك منه ويشتم ، وللمفسرين ألفاظا :
أحدها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
الهمزة المغتاب ، واللمزة العياب .
وثانيها : قال
أبو زيد : الهمزة باليد واللمزة باللسان .
وثالثها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية : الهمزة بالمواجهة واللمزة بظهر الغيب .
ورابعها : الهمزة جهرا واللمزة سرا بالحاجب والعين .
وخامسها : الهمزة واللمزة الذي يلقب الناس بما يكرهون وكان
الوليد بن المغيرة يفعل ذلك ، لكنه لا يليق بمنصب الرياسة إنما ذلك من عادة السقاط ويدخل فيه من يحاكي الناس بأقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا . وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=2114الحكم بن العاص مشية النبي - صلى الله عليه وسلم - فنفاه عن
المدينة ولعنه .
وسادسها : قال
الحسن : الهمزة الذي يهمز جليسه يكسر عليه عينه واللمزة الذي يذكر أخاه بالسوء ويعيبه .
وسابعها : عن
أبي الجوزاء قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : (
ويل لكل همزة لمزة ) من هؤلاء الذين يذمهم الله بالويل فقال : هم
المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الناعتون للناس بالعيب .
واعلم أن جميع هذه الوجوه متقاربة راجعة إلى أصل واحد وهو الطعن وإظهار العيب ، ثم هذا على قسمين : فإنه إما أن يكون بالجد كما يكون عند الحسد والحقد ، وإما أن يكون بالهزل كما يكون عند السخرية والإضحاك ، وكل واحد من القسمين ، إما أن يكون في أمر يتعلق بالدين ، وهو ما يتعلق بالصورة أو المشي أو الجلوس ، وأنواعه كثيرة وهي غير مضبوطة ، ثم إظهار العيب في هذه الأقسام الأربعة قد يكون لحاضر ، وقد يكون لغائب ، وعلى التقديرين فقد يكون باللفظ ، وقد يكون بإشارة الرأس والعين وغيرهما ، وكل ذلك داخل تحت النهي والزجر ، إنما البحث في أن اللفظ بحسب اللغة موضوع لماذا ، فما كان اللفظ موضوعا له كان منهيا بحسب اللفظ ، وما لم يكن اللفظ موضوعا له كان داخلا تحت النهي بحسب القياس الجلي ، ولما كان الرسول أعظم الناس منصبا في الدين كان الطعن فيه عظيما عند الله ، فلا جرم قال : (
ويل لكل همزة لمزة ) .