المسألة الرابعة : أما الحمد فقد تقدم تفسيره ، وأما تفسير قوله : (
فسبح بحمد ربك ) فذكروا فيه وجوها :
أحدها : قال صاحب الكشاف أي قل : سبحان الله والحمد لله ، متعجبا مما أراك من عجيب إنعامه أي اجمع بينهما تقول : شربت الماء باللبن إذا جمعت بينهما خلطا وشربا .
وثانيها : إنك
إذا حمدت الله فقد سبحته ؛ لأن التسبيح داخل في الحمد ؛ لأن الثناء عليه والشكر له لا بد وأن يتضمن تنزيهه عن النقائص ؛ لأنه لا يكون مستحقا للثناء إلا إذا كان منزها عن النقص ولذلك جعل مفتاح القرآن بالحمد لله وعند فتح
مكة قال : الحمد لله الذي نصر عبده ، ولم يفتتح كلامه بالتسبيح فقوله : (
فسبح بحمد ربك ) معناه سبحه بواسطة أن تحمده أي سبحه بهذا الطريق .
وثالثها : أن يكون حالا ، ومعناه سبح حامدا كقولك : اخرج بسلاحك أي متسلحا .
ورابعها : يجوز أن يكون معناه سبح مقدرا أن تحمد بعد التسبيح كأنه يقول : لا يتأتى لك الجمع لفظا فاجمعهما نية كما أنك يوم النحر تنوي الصلاة مقدرا أن تنحر بعدها ، فيجتمع لك الثوابان في تلك الساعة كذا ههنا .
وخامسها : أن تكون هذه الباء هي التي في قولك : فعلت هذا بفضل الله ، أي سبحه بحمد الله وإرشاده وإنعامه ، لا بحمد غيره ، ونظيره في حديث الإفك قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : " بحمد الله لا بحمدك " والمعنى : فسبحه بحمده ، فإنه الذي هداك دون غيره ، ولذلك روي أنه عليه السلام كان يقول :
الحمد لله على الحمد لله .
وسادسها : روى
السدي : بحمد ربك ، أي بأمر ربك .
وسابعها : أن تكون الباء صلة زائدة ، ويكون التقدير : سبح حمد ربك ، ثم فيه احتمالات :
أحدها : اختر له أطهر المحامد وأزكاها .
والثاني : طهر محامد ربك عن الرياء والسمعة ، والتوسل بذكرها إلى الأغراض الدنيوية الفاسدة .
والثالث : طهر محامد ربك عن أن تقول : جئت بها كما يليق به ، وإليه الإشارة بقوله : (
وما قدروا الله حق قدره ) [ الأنعام : 91 ] .
وثامنها : أي ائت بالتسبيح بدلا عن الحمد الواجب عليك ، وذلك لأن
الحمد إنما يجب في مقابلة النعم ، ونعم الله علينا غير متناهية ، فحمدها لا يكون في وسع البشر ، ولذلك قال : (
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم : 34 ] فكأنه تعالى يقول : أنت عاجز عن الحمد ، فأت بالتسبيح والتنزيه بدلا عن الحمد .
وتاسعها : فيه إشارة إلى أن
التسبيح والحمد أمران لا يجوز تأخير أحدهما عن الثاني ، ولا يتصور أيضا أن يؤتى بهما معا ، فنظيره من ثبت له حق الشفعة وحق الرد بالعيب وجب أن يقول : اخترت الشفعة بردي ذلك المبيع ، كذا قال : (
فسبح بحمد ربك ) ليقعا معا ، فيصير حامدا مسبحا في وقت واحد معا .
وعاشرها : أن يكون المراد سبح قلبك ، أي طهر قلبك بواسطة مطالعة حمد ربك ، فإنك إذا رأيت أن الكل من الله ، فقد طهرت قلبك عن الالتفات إلى نفسك وجهدك ، فقوله : ( فسبح ) إشارة إلى نفي ما سوى الله تعالى ، وقوله : (
بحمد ربك ) إشارة
[ ص: 149 ] إلى رؤية كل الأشياء من الله تعالى .