المسألة السادسة : في الآية إشكال ، وهو أن
التوبة مقدمة على جميع الطاعات ، ثم الحمد مقدم على التسبيح ؛ لأن الحمد يكون بسبب الإنعام ، والإنعام كما يصدر عن المنزه فقد يصدر عن غيره ، فكان ينبغي أن يقع الابتداء بالاستغفار ، ثم بعده يذكر الحمد ، ثم بعده يذكر التسبيح ، فما السبب في أن صار مذكورا على العكس من هذا الترتيب ؟
وجوابه : من وجوه :
أولها : لعله ابتدأ بالأشرف ، فالأشرف نازلا إلى الأخس فالأخس ، تنبيها على أن النزول من الخالق إلى الخلق أشرف من الصعود من الخلق إلى الخالق .
وثانيها : فيه تنبيه على أن
التسبيح والحمد الصادر عن العبد إذا صار مقابلا بجلال الله وعزته صار عين الذنب ، فوجب الاستغفار منه .
وثالثها :
التسبيح والحمد إشارة إلى التعظيم لأمر الله ، والاستغفار إشارة إلى الشفقة على خلق
[ ص: 150 ] [ الله ] ، والأول كالصلاة ، والثاني كالزكاة ، وكما أن الصلاة مقدمة على الزكاة ، فكذا ههنا .
المسألة السابعة : الآية تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يجب عليه الإعلان بالتسبيح والاستغفار ، وذلك من وجوه :
أحدها : أنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورا بإبلاغ السورة إلى كل الأمة حتى يبقى نقل القرآن متواترا ، وحتى نعلم أنه أحسن القيام بتبليغ الوحي ، فوجب عليه الإتيان بالتسبيح والاستغفار على وجه الإظهار ليحصل هذا الغرض .
وثانيها : أنه من جملة المقاصد أن يصير الرسول قدوة للأمة حتى يفعلوا عند النعمة والمحنة ما فعله الرسول من تجديد الشكر والحمد عند تجديد النعمة .
وثالثها : أن الأغلب في الشاهد أن يأتي بالحمد في ابتداء الأمر ، فأمر الله رسوله بالحمد والاستغفار دائما ، وفي كل حين وأوان ليقع الفرق بينه وبين غيره ، ثم قال : واستغفره حين نعيت نفسه إليه ليفعل الأمة عند اقتراب آجالهم مثل ذلك .