[ ص: 152 ] ( سورة المسد ) .
خمس آيات ، مكية بالاتفاق
بسم الله الرحمن الرحيم .
اعلم أنه تعالى قال : (
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] ثم بين في سورة : (
قل ياأيها الكافرون ) [ الكافرون : 1 ] أن
محمدا عليه الصلاة والسلام أطاع ربه وصرح بنفي عبادة الشركاء والأضداد وأن الكافر عصى ربه واشتغل بعبادة الأضداد والأنداد ، فكأنه قيل : إلهنا ما ثواب المطيع ، وما عقاب العاصي ؟ فقال :
ثواب المطيع حصول النصر والفتح والاستيلاء في الدنيا والثواب الجزيل في العقبى ، كما دل عليه سورة : (
إذا جاء نصر الله ) وأما عقاب العاصي فهو الخسار في الدنيا والعقاب العظيم في العقبى ، كما دلت عليه سورة : ( تبت ) ونظيره قوله تعالى في آخر سورة الأنعام : (
وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ) [ الأنعام : 165 ] فكأنه قيل : إلهنا أنت الجواد المنزه عن البخل والقادر المنزه عن العجز ، فما السبب في هذا التفاوت ؟ فقال : (
ليبلوكم في ما آتاكم ) [ الأنعام : 165 ] فكأنه قيل : إلهنا فإذا كان العبد مذنبا عاصيا فكيف حاله ؟
فقال في الجواب : (
إن ربك سريع العقاب ) [ الأنعام : 165 ] وإن كان مطيعا منقادا كان جزاؤه أن الرب تعالى يكون غفورا لسيئاته في الدنيا رحيما كريما في الآخرة .
وذكروا في
سبب نزول هذه السورة وجوها :
أحدها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014093قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كان رسول الله يكتم أمره في أول المبعث ويصلي في شعاب مكة ثلاث سنين إلى أن نزل قوله تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214 ] فصعد الصفا ونادى يا آل غالب فخرجت إليه غالب من المسجد فقال أبو لهب : هذه غالب قد أتتك فما عندك ؟ ثم نادى يا آل لؤي فرجع من لم يكن من لؤي فقال أبو لهب : هذه لؤي قد أتتك فما عندك ؟ ثم قال يا آل مرة فرجع من لم يكن من مرة ، فقال أبو لهب : هذه مرة قد أتتك فما عندك ؟ ثم قال يا آل كلاب ، ثم قال بعده : يا آل قصي ، فقال أبو لهب : هذه قصي قد أتتك فما عندك ؟ فقال : إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين وأنتم الأقربون ، اعلموا أني لا أملك لكم من الدنيا حظا ولا من الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله ، فأشهد بها لكم عند ربكم ، فقال أبو لهب عند ذلك : تبا لك ألهذا دعوتنا ؟ فنزلت السورة .
وثانيها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014094روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد الصفا ذات يوم وقال : يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا : ما لك ؟ قال : أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب [ ص: 153 ] شديد ، فقال عند ذلك أبو لهب ما قال فنزلت السورة .
وثالثها :
أنه جمع أعمامه وقدم إليهم طعاما في صحفة فاستحقروه وقالوا : إن أحدنا يأكل كل الشاة ، فقال : كلوا فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص من الطعام إلا اليسير ، ثم قالوا : فما عندك ؟ فدعاهم إلى الإسلام فقال أبو لهب ما قال ، وروي أنه
قال أبو لهب : فما لي إن أسلمت ؟ فقال : ما للمسلمين ، فقال : أفلا أفضل عليهم ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : بماذا تفضل ؟ فقال : تبا لهذا الدين يستوي فيه أنا وغيري .
ورابعها : كان إذا وفد على النبي وفد سألوا عمه عنه وقالوا : أنت أعلم به فيقول لهم : إنه ساحر فيرجعون عنه ولا يلقونه ، فأتاه وفد فقال لهم مثل ذلك فقالوا : لا ننصرف حتى نراه ، فقال : إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبا له وتعسا ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فحزن ، ونزلت السورة .