المسألة الثانية : احتج الأصحاب بقوله : (
وتب علينا ) على أن
فعل العبد خلق لله تعالى ، قالوا : لأنه عليه السلام طلب من الله تعالى أن يتوب عليه ، فلو كانت التوبة مخلوقة للعبد ، لكان طلبها من الله تعالى محالا وجهلا ، قالت
المعتزلة : هذا معارض بما أن الله تعالى طلب التوبة منا ، فقال : (
ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) [التحريم : 8] ولو كانت فعلا لله تعالى ، لكان طلبها من العبد محالا وجهلا ، وإذا ثبت ذلك حمل قوله : (
وتب علينا ) على التوفيق وفعل الألطاف أو على قبول التوبة من العبد ، قال الأصحاب : الترجيح معنا لأن دليل العقل يعضد قولنا من وجوه :
أولها : أنه متى لم يخلق الله تعالى داعية موجبة للتوبة استحال حصول التوبة ، فكانت التوبة من الله تعالى لا من العبد ، وتقرير دليل الداعي قد تقدم غير مرة .
وثانيها : أن
التوبة على ما لخصه الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي رحمه الله : عبارة عن مجموع أمور ثلاثة مرتبة : علم
[ ص: 59 ] وحال وعمل ، فالعلم أول والحال ثان وهو موجب العلم والعمل ثالث وهو موجب الحال ، أما العلم فهو معرفة عظم ضرر الذنوب ، يتولد من هذه المعرفة تألم القلب بسبب فوت المنفعة وحصول المضرة ، وهذا التألم هو المسمى بالندم ثم يتولد من هذا الندم صفة تسمى إرادة ، ولها تعلق بالحال والماضي والمستقبل ، أما تعلقه بالحال فهو الترك للذنب الذي كان ملابسا له ، وأما بالاستقبال فبالعزم على ترك ذلك الفعل المفوت للمحبوب إلى آخر العمر ، وأما في الماضي فبتلافي ما فات بالجبر والقضاء إن كان قابلا للجبر فالعلم هو الأول وهو مطلع هذه الخيرات وأعني بهذا العلم الإيمان واليقين ، فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق وانتفاء الشك عنه واستيلائه على القلب ، ثم إن هذا اليقين مهما استولى على القلب اشتعل نار الندم فيتألم به القلب حيث يبصر بإشراق نور الإيمان ، أنه صار محجوبا عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس وقد كان في ظلمة فرأى محبوبه قد أشرف على الهلاك فتشتعل نيران الحب في قلبه فيتولد من تلك الحالة إرادته للانتهاض للتدارك .
إذا عرفت هذا فنقول : إن
ترتب الفعل على الإرادة ضروري لأن الإرادة الجازمة الخالية عن المعارض لا بد وأن يترتب عليها الفعل وترتب الإرادة على تألم القلب أيضا ضروري ، فإن من تألم قلبه بسبب مشاهدة أمر مكروه لا بد وأن يحصل في قلبه إرادة الدفع وترتب ذلك الألم على العلم بكون ذلك الشيء جالبا للمضار ، ودفعا للمنافع أيضا أمر ضروري ، فكل هذه المراتب ضرورية فكيف تحصل تحت الاختبار والتكلف .
بقي أن يقال : الداخل تحت التكليف هو العلم ، إلا أن فيه أيضا إشكالا ، لأن ذلك العلم إما أن يكون ضروريا أو نظريا ، فإن كان ضروريا لم يكن داخلا تحت الاختبار والتكليف أيضا ، وإن كان نظريا فهو مستنتج عن العلوم الضرورية . فمجموع تلك العلوم الضرورية المنتجة للعلم النظري الأول ، إما أن يكون كافيا في ذلك الإنتاج أو غير كاف ، فإن كان كافيا كان ترتب ذلك العلم النظري المستنتج أولا على تلك العلوم الضرورية واجبا ، والذي يجب ترتبه على ما يكون خارجا عن الاختيار ، كان أيضا خارجا عن الاختيار ، وإن لم يكن كافيا فلا بد من شيء آخر ، فذلك الآخر إن كان من العلوم الضرورية فهو إن كان حاصلا فالذي فرضناه غير كاف ، وقد كان كافيا ، هذا خلف ، وإن كان من العلوم النظرية افتقر أول العلوم النظرية إلى علم نظري آخر قبله فلم يكن أول العلوم النظرية أولا للعلوم النظرية ، وهذا خلف .
ثم الكلام في ذلك الأول كما فيما قبله فيلزم التسلسل وهو محال ، فثبت بما ذكرنا آخرا أن قوله تعالى : (
وتب علينا ) محمول على ظاهره ، وهو الحق المطابق للدلائل العقلية وأن سائر الآيات المعارضة لهذه الآية أولى بالتأويل .
أما قوله : (
إنك أنت التواب الرحيم ) فقد تقدم ذكره .
النوع الثالث : قوله : (
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) واعلم أنه لا شبهة في أن قوله : (
ربنا وابعث فيهم رسولا ) يريد من أراد بقوله : (
ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) لأنه المذكور من قبل ووصفه لذريته بذلك لا يليق إلا بأمة
محمد صلى الله عليه وسلم ، فعطف عليه بقوله تعالى : (
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) وهذا الدعاء يفيد كمال حال ذريته من وجهين :
أحدهما : أن يكون فيهم رسول يكمل لهم الدين والشرع ويدعوهم إلى ما يثبتون به على الإسلام .
والثاني : أن يكون ذلك المبعوث منهم لا من غيرهم لوجوه :
أحدها : ليكون محلهم ورتبتهم في
[ ص: 60 ] العز والدين أعظم ، لأن الرسول والمرسل إليه إذا كانا معا من ذريته ، كان أشرف لطلبته إذا أجيب إليها .
وثانيها : أنه إذا كان منهم فإنهم يعرفون مولده ومنشأه فيقرب الأمر عليهم في معرفة صدقه وأمانته .
وثالثها : أنه إذا كان منهم كان أحرص الناس على خيرهم وأشفق عليهم من الأجنبي لو أرسل إليهم ، إذا ثبت هذا فنقول : إذا كان مراد
إبراهيم عليه السلام عمارة الدين في الحال وفي المستقبل ، وكان قد غلب على ظنه أن ذلك إنما يتم ويكمل بأن يكون القوم من ذريته حسن منه أن يريد ذلك ليجتمع له بذلك نهاية المراد في الدين ، وينضاف إليه السرور العظيم بأن يكون هذا الأمر في ذريته لأن لا عز ولا شرف أعلى من هذه الرتبة .
وأما إن الرسول هو
محمد صلى الله عليه وسلم فيدل عليه وجوه :
أحدها : إجماع المفسرين وهو حجة .
وثانيها : ما روي عنه عليه السلام أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011638أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى " وأراد بالدعوة هذه الآية ، وبشارة
عيسى عليه السلام ما ذكر في سورة الصف من قوله : (
ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) [الصف : 6] .
وثالثها : أن
إبراهيم عليه السلام إنما دعا بهذا الدعاء
بمكة لذريته الذين يكونون بها وبما حولها ولم يبعث الله تعالى إلى من
بمكة وما حولها إلا
محمدا صلى الله عليه وسلم .
وههنا سؤال وهو أنه يقال :
ما الحكمة في ذكر إبراهيم عليه السلام مع محمد صلى الله عليه وسلم في باب الصلاة حيث يقال : اللهم صل على
محمد وعلى
آل محمد كما صليت على
إبراهيم وعلى
آل إبراهيم ؟
وأجابوا عنه من وجوه :
أولها : أن
إبراهيم عليه السلام دعا
لمحمد عليه السلام حيث قال : (
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ) فلما وجب للخليل على الحبيب حق دعائه له قضى الله تعالى عنه حقه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيامة .
وثانيها : أن
إبراهيم عليه السلام سأل ذلك ربه بقوله : (
واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) [الشعراء : 84] يعني أبق لي ثناء حسنا في أمة
محمد صلى الله عليه وسلم ، فأجابه الله تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته .
وثالثها : أن
إبراهيم كان أب الملة لقوله : (
ملة أبيكم إبراهيم ) [الحج : 78]
ومحمد كان أب الرحمة ، وفي قراءة
ابن مسعود : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم " وقال في قصته : (
بالمؤمنين رءوف رحيم ) [التوبة : 128] وقال عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011639إنما أنا لكم مثل الوالد " ، يعني في الرأفة والرحمة ، فلما وجب لكل واحد منهم حق الأبوة من وجه قرب بين ذكرهما في باب الثناء والصلاة .
ورابعها : أن
إبراهيم عليه السلام كان منادي الشريعة في الحج : (
وأذن في الناس بالحج ) [الحج : 27] وكان
محمد عليه السلام منادي الدين : (
سمعنا مناديا ينادي للإيمان ) [آل عمران : 193] فجمع الله تعالى بينهما في الذكر الجميل .
واعلم أنه تعالى لما طلب بعثة رسول منهم إليهم ، ذكر لذلك الرسول صفات .
الصفة الأولى : قوله : (
يتلو عليهم آياتك ) وفيه وجهان :
الأول : أنها الفرقان الذي أنزل على
محمد صلى الله عليه وسلم لأن الذي كان يتلوه عليهم ليس إلا ذلك ، فوجب حمله عليه .
الثاني : يجوز أن تكون
الآيات هي الأعلام الدالة على وجود الصانع وصفاته سبحانه وتعالى ، ومعنى تلاوته إياها عليهم : أنه كان يذكرهم بها ويدعوهم إليها ويحملهم على الإيمان بها .
الصفة الثانية : قوله : (
ويعلمهم الكتاب ) والمراد أنه يأمرهم بتلاوة الكتاب ويعلمهم معاني الكتاب وحقائقه ، وذلك لأن التلاوة مطلوبة لوجوه :
منها بقاء لفظها على ألسنة أهل التواتر فيبقى مصونا عن التحريف
[ ص: 61 ] والتصحيف ، ومنها أن يكون لفظه ونظمه معجزا
لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومنها أن يكون في تلاوته نوع عبادة وطاعة ، ومنها أن تكون قراءته في الصلوات وسائر العبادات نوع عبادة ، فهذا حكم التلاوة إلا أن الحكمة العظمى والمقصود الأشرف تعليم ما فيه من الدلائل والأحكام ، فإن الله تعالى وصف القرآن بكونه هدى ونورا لما فيه من المعاني والحكم والأسرار ، فلما ذكر الله تعالى أولا أمر التلاوة ذكر بعده تعليم حقائقه وأسراره فقال : (
ويعلمهم الكتاب ) .
الصفة الثالثة من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : (
والحكمة ) أي ويعلمهم الحكمة . واعلم أن الحكمة هي : الإصابة في القول والعمل ، ولا يسمى حكيما إلا من اجتمع له الأمران وقيل : أصلها من أحكمت الشيء أي رددته ، فكأن الحكمة هي التي ترد عن الجهل والخطأ ، وذلك إنما يكون بما ذكرنا من الإصابة في القول والفعل ، ووضع كل شيء موضعه .
قال
القفال : وعبر بعض الفلاسفة عن الحكمة بأنها التشبه بالإله بقدر الطاقة البشرية .
واختلف المفسرون في
المراد بالحكمة ههنا على وجوه :
أحدها : قال
ابن وهب قلت
لمالك : ما الحكمة ؟ قال : معرفة الدين ، والفقه فيه ، والاتباع له .
وثانيها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو قول
قتادة ، قال أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : والدليل عليه أنه تعالى ذكر
تلاوة الكتاب أولا وتعليمه ثانيا ، ثم عطف عليه الحكمة فوجب أن يكون المراد من الحكمة شيئا خارجا عن الكتاب ، وليس ذلك إلا سنة الرسول عليه السلام ، فإن قيل : لم لا يجوز حمله على تعليم الدلائل العقلية على التوحيد والعدل والنبوة ؟ قلنا : لأن العقول مستقبلة بذلك فحمل هذا اللفظ على ما لا يستفاد من الشرع أولى .
وثالثها : الحكمة هي الفصل بين الحق والباطل ، وهو مصدر بمعنى الحكم ، كالقعدة والجلسة . والمعنى : يعلمهم كتابك الذي تنزله عليهم ، وفصل أقضيتك وأحكامك التي تعلمه إياها ، ومثال هذا : الخبر والخبرة ، والعذر والعذرة ، والغل والغلة ، والذل والذلة .
ورابعها : ويعلمهم الكتاب أراد به الآيات المحكمة . (
والحكمة ) أراد بها الآيات المتشابهات .
وخامسها : (
ويعلمهم الكتاب ) أي يعلمهم ما فيه من الأحكام . (
والحكمة ) أراد بها أنه يعلمهم حكمة تلك الشرائع وما فيها من وجوه المصالح والمنافع ، ومن الناس من قال : الكل صفات الكتاب كأنه تعالى وصفه بأنه آيات ، وبأنه كتاب ، وبأنه حكمة .
الصفة الرابعة من
صفات الرسول صلى الله عليه وسلم : قوله : (
ويزكيهم ) واعلم أن كمال حال الإنسان في أمرين :
أحدهما : أن يعرف الحق لذاته .
والثاني : أن يعرف الخير لأجل العمل به ، فإن أخل بشيء من هذين الأمرين لم يكن طاهرا عن الرذائل والنقائص ، ولم يكن زكيا عنها ، فلما ذكر صفات الفضل والكمال أردفها بذكر التزكية عن الرذائل والنقائص ، فقال : (
ويزكيهم ) واعلم أن الرسول لا قدرة له على التصرف في بواطن المكلفين ، وبتقدير أن تحصل له هذه القدرة لكنه لا يتصرف فيها وإلا لكان ذلك الزكاء حاصلا فيهم على سبيل الجبر لا على سبيل الاختيار ، فإذن هذه التزكية لها تفسيران :
الأول : ما يفعله سوى التلاوة وتعليم الكتاب والحكمة ، حتى يكون ذلك كالسبب لطهارتهم ، وتلك الأمور ما كان يفعله عليه السلام من الوعد والإيعاد ، والوعظ والتذكير ، وتكرير ذلك عليهم ، ومن التشبث بأمور الدنيا إلى أن يؤمنوا ويصلحوا ، فقد كان عليه السلام يفعل من هذا الجنس أشياء كثيرة ليقوي بها
[ ص: 62 ] دواعيهم إلى الإيمان والعمل الصالح ، ولذلك مدحه تعالى بأنه على خلق عظيم ، وأنه أوتي مكارم الأخلاق .
الثاني : يزكيهم ، يشهد لهم بأنهم أزكياء يوم القيامة إذا شهد على كل نفس بما كسبت ، كتزكية المزكي الشهود ، والأول أجود لأنه أدخل في مشاكلة مراده بالدعاء ، لأن مراده أن يتكامل لهذه الذرية الفوز بالجنة ، وذلك لا يتم إلا بتعليم الكتاب والحكمة ، ثم بالترغيب الشديد في العمل والترهيب عن الإخلال بالعمل وهو التزكية . هذا هو الكلام الملخص في هذه الآية ، وللمفسرين فيه عبارات :
أحدها : قال
الحسن : يطهرهم من شركهم ، فدلت الآية على أنه سيكون في ذرية
إسماعيل جهال لا حكمة فيهم ولا كتاب ، وأن الشرك ينجسهم ، وأنه تعالى يبعث فيهم رسولا منهم يطهرهم ويجعلهم حكماء الأرض بعد جهلهم .
وثانيها : التزكية هي الطاعة لله والإخلاص عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وثالثها : ويزكيهم عن الشرك وسائر الأرجاس ، كقوله : (
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) [الأعراف : 157] واعلم أنه عليه السلام لما ذكر هذه الدعوات ختمها بالثناء على الله تعالى فقال : (
إنك أنت العزيز الحكيم ) والعزيز : هو القادر الذي لا يغلب ، والحكيم هو العالم الذي لا يجهل شيئا ، وإذا كان عالما قادرا كان ما يفعله صوابا ومبرأ عن العبث والسفه ، ولولا كونه كذلك لما صح منه إجابة الدعاء ولا بعثة الرسل ، ولا إنزال الكتاب .
واعلم أن
العزيز من صفات الذات إذا أريد اقتداره على الأشياء وامتناعه من الهضم والذلة ، لأنه إذا كان منزها عن الحاجات لم تلحقه ذلة المحتاج ، ولا يجوز أن يمنع من مراده حتى يلحقه اهتضام ، فهو عزيز لا محالة ، وأما الحكيم فإذا أريد به معنى العليم فهو من صفات الذات ، فإذا أريد بالعزة كمال العزة وهو الامتناع من استيلاء الغير عليه ، وأريد بالحكمة أفعال الحكمة لم يكن العزيز والحكيم من صفات الذات بل من صفات الفعل والفرق بين هذين النوعين من الصفات وجوه :
أحدها : أن
صفات الذات أزلية ، وصفات الفعل ليست كذلك .
وثانيها : أن صفات الذات لا يمكن أن تصدق نقائضها في شيء من الأوقات ، وصفات الفعل ليست كذلك .
وثالثها : أن صفات الفعل أمور نسبية يعتبر في تحققها صدور الآثار عن الفاعل ، وصفات الذات ليست كذلك ، واحتج النظام على أنه تعالى غير قادر على القبيح بأن قال : الإله يجب أن يكون حكيما لذاته ، وإذا كان حكيما لذاته لم يكن القبيح مقدورا ، والحكمة لذاتها تنافي فعل القبيح ، فالإله يستحيل منه فعل القبيح ، وما كان محالا لم يكن مقدورا ، إنما قلنا : الإله يجب أن يكون حكيما لأنه لو لم يجب ذلك لجاز تبدله بنقيضه ، فحينئذ يلزم أن يكون الإله إلها مع عدم الحكمة وذلك بالاتفاق محال ، وأما أن الحكمة تنافي فعل السفه فذلك أيضا معلوم بالبديهة ، وأما أن مستلزم المنافي مناف فمعلوم بالبديهة ، فإذن الإلهية لا يمكن تقريرها مع فعل السفه ، وأما أن المحال غير مقدور فبين ، فثبت أن الإله لا يقدر على فعل القبيح .
والجواب عنه : أما على مذهبنا فليس شيء من الأفعال سفها منه فزال السؤال والله أعلم .