[ ص: 94 ] (
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ) .
قوله تعالى : (
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ) .
اعلم أن قوله : (
وما جعلنا ) معناه ما شرعنا وما حكمنا كقوله : (
ما جعل الله من بحيرة ) [ المائدة : 103 ] أي : ما شرعها ولا جعلها دينا ، وقوله : (
كنت عليها ) أي : كنت معتقدا لاستقبالها ، كقول القائل : كان لفلان على فلان دين ، وقوله : (
كنت عليها ) ليس بصفة للقبلة ، إنما هو ثاني مفعولي جعل ، يريد : (
وما جعلنا القبلة ) الجهة التي كنت عليها .
ثم هاهنا وجهان :
الأول : أن يكون هذا الكلام بيانا
للحكمة في جعل القبلة ، وذلك لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان يصلي
بمكة إلى
الكعبة ثم أمر بالصلاة إلى
بيت المقدس بعد الهجرة تأليفا
لليهود ، ثم حول إلى
الكعبة ، فنقول : (
وما جعلنا القبلة ) الجهة : (
التي كنت عليها ) أولا ، يعني : وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس وابتلاء .
الثاني : يجوز أن يكون قوله : (
التي كنت عليها ) لسانا للحكمة في جعل
بيت المقدس قبلة ، يعني أن أصل أمرك أن تستقبل
الكعبة وأن استقبالك
بيت المقدس كان أمرا عارضا لغرض ، وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذا ، وهي
بيت المقدس ؛ لنمتحن الناس وننظر من يتبع الرسول ومن لا يتبعه وينفر عنه .
وهاهنا وجه ثالث ذكره
أبو مسلم ، فقال : لولا الروايات لم تدل الآية على قبلة من قبل الرسول - عليه الصلاة والسلام - عليها ؛ لأنه قد يقال : كنت بمعنى صرت كقوله تعالى : (
كنتم خير أمة ) [ آل عمران : 110 ] وقد يقال : كان في معنى لم يزل كقوله تعالى : (
وكان الله عزيزا حكيما ) [ النساء : 158 ] فلا يمتنع أن يراد بقوله : (
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ) أي : التي لم تزل عليها وهي
الكعبة إلا كذا وكذا .