المسألة الثالثة : أما أن الابتلاء كيف يصح على الله تبارك وتعالى فقد تقدم في تفسير قوله تعالى : (
وإذ ابتلى إبراهيم ربه ) [ البقرة : 124 ] وأما الحكمة في تقديم تعريف هذا الابتلاء ففيها وجوه :
أحدها : ليوطنوا أنفسهم على الصبر عليها إذا وردت ، فيكون ذلك أبعد لهم عن الجزع ، وأسهل عليهم بعد الورود .
وثانيها : أنهم إذا علموا أنه ستصل إليهم تلك المحن ، اشتد خوفهم ، فيصير ذلك الخوف تعجيلا للابتلاء ، فيستحقون به مزيد الثواب .
وثالثها : أن الكفار إذا شاهدوا
محمدا وأصحابه مقيمين على دينهم مستقرين عليه مع ما كانوا عليه من نهاية الضر والمحنة والجوع ، يعلمون أن القوم إنما اختاروا هذا الدين لقطعهم بصحته ، فيدعوهم ذلك إلى مزيد التأمل في دلائله ، ومن المعلوم الظاهر أن التبع إذا عرفوا أن المتبوع في أعظم المحن بسبب المذهب الذي ينصره ، ثم رأوه مع ذلك مصرا على ذلك المذهب كان ذلك أدعى لهم إلى اتباعه مما إذا رأوه مرفه الحال لا كلفة عليه في ذلك المذهب .
ورابعها : أنه تعالى أخبر بوقوع ذلك الابتلاء قبل وقوعه ، فوجد مخبر ذلك الخبر على ما أخبر عنه ، فكان ذلك إخبارا عن الغيب فكان معجزا .
وخامسها : أن من المنافقين من أظهر متابعة الرسول طمعا منه في المال وسعة الرزق ، فإذا اختبره تعالى بنزول هذه المحن فعند ذلك يتميز المنافق عن الموافق ؛ لأن المنافق إذا سمع ذلك نفر منه وترك دينه فكان في هذا الاختبار هذه الفائدة .
وسادسها : أن
إخلاص الإنسان حالة البلاء ورجوعه إلى باب الله تعالى أكثر من إخلاصه حال إقبال الدنيا عليه ، فكانت الحكمة في هذا الابتلاء ذلك .
المسألة الرابعة : إنما قال بشيء على الوحدان ، ولم يقل بأشياء على الجمع لوجهين .
الأول : لئلا يوهم بأشياء من كل واحد ، فيدل على ضروب الخوف ، والتقدير : بشيء من كذا وشيء من كذا .
الثاني : معناه بشيء قليل من هذه الأشياء .