المسألة الثانية : اعلم أن
الصفا والمروة علمان للجبلين المخصوصين إلا أن الناس تكلموا في أصل اشتقاقهما ، قال
القفال - رحمه الله - : قيل إن
الصفا واحد ويجمع على صفي وأصفاء كما يقال عصا وعصي ، ورحا وأرحاء قال
الراجز :
كأن متنيه من النفي مواقع الطير من الصفي
وقد يكون بمعنى جمع واحدته صفاة ، قال
جرير :
إنا إذا قرع العدو صفاتنا لاقوا لنا حجرا أصم صلودا
وفي كتاب
الخليل :
الصفا الحجر الضخم الصلب الأملس ، وإذا نعتوا الصخرة قالوا : صفاة صفواء ، وإذا ذكروا قالوا : صفا صفوان . فجعل
الصفا والصفاة كأنهما في معنى واحد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد :
الصفا كل حجر لا يخالطه غيره من طين أو تراب متصل به ، واشتقاقه من صفا يصفو إذا خلص ، وأما
المروة فقال
الخليل : من الحجارة ما كان أبيض أملس صلبا شديد الصلابة ، وقاله غيره : هو الحجارة الصغيرة ، جمع في القليل مروات وفي الكثير مرو ، قال
أبو ذؤيب :
حتى كأني للحوادث مروة بصفا المشاعر كل يوم يقرع
وأما (
شعائر الله ) فهي أعلام طاعته ، وكل شيء جعل علما من أعلام طاعة الله فهو من شعائر الله ، قال الله تعالى : (
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ) [ الحج : 36 ] أي علامة للقربة ، وقال : (
ذلك ومن يعظم شعائر الله ) [ الحج : 32 ]
وشعائر الحج : معالم نسكه ومنه المشعر الحرام ، ومنه إشعار السنام : وهو أن يعلم بالمدية فيكون ذلك علما على إحرام صاحبها ، وعلى أنه قد جعله هديا لبيت الله ، ومنه الشعائر في الحرب ، وهو العلامة التي يتبين بها إحدى الفئتين من الأخرى ، والشعائر جمع شعيرة ، وهو مأخوذ من الإشعار الذي هو الإعلام ، ومنه قولك : شعرت بكذا ، أي علمت .
المسألة الثالثة : الشعائر إما أن نحملها على العبادات أو على النسك ، أو نحملها على مواضع العبادات والنسك ، فإن قلنا بالأول حصل في الكلام حذف ؛ لأن نفس الجبلين لا يصح وصفهما بأنهما دين ونسك ، فالمراد به أن الطواف بينهما والسعي من دين الله تعالى ، وإن قلنا بالثاني استقام ظاهر الكلام ؛ لأن هذين الجبلين يمكن أن يكونا موضعين للعبادات والمناسك ، وكيف كان فالسعي بين هذين الجبلين من شعائر الله ، ومن أعلام دينه ، وقد شرعه الله تعالى لأمة
محمد - صلى الله عليه وسلم -
ولإبراهيم - عليه السلام - قبل ذلك ، وهو من المناسك الذي حكى الله تعالى عن
إبراهيم - عليه السلام - أنه قال : (
وأرنا مناسكنا ) واعلم أن
السعي ليس عبادة تامة في نفسه بل إنما يصير عبادة إذا صار بعضا من أبعاض الحج ، فلهذا السر بين الله تعالى الموضع الذي فيه يصير السعي عبادة فقال : (
فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) .