الفصل الأول
في
ترتيب الأفلاك
قالوا : أقربها إلينا كرة القمر ، وفوقها كرة عطارد ، ثم الزهرة ، ثم كرة الشمس ، ثم كرة المريخ ، ثم كرة المشتري ، ثم كرة زحل ، ثم كرة الثوابت ، ثم الفلك الأعظم .
واعلم أن في هذا الموضوع أبحاثا :
البحث الأول : ذكروا في طريق معرفة هذا الترتيب ثلاثة أوجه :
الأول : السير ، وذلك أن الكوكب الأسفل إذا مر بين أبصارنا وبين الكوكب الأعلى فإنهما يبصران ككوكب واحد ، ويتميز السائر عن المستور بلونه الغالب ، كصفرة عطارد ، وبياض الزهرة ، وحمرة المريخ ، ودرية المشتري ، وكمودة زحل ، ثم إن القدماء وجدوا القمر يكسف الكواكب الستة ، وكثيرا من الثوابت في طريقه في ممر البروج ، وكوكب عطارد يكسف الزهرة ، والزهرة تكسف المريخ ، وعلى هذا الترتيب فهذا الطريق يدل على كون القمر تحت الشمس لانكسافها به ، لكن لا يدل على كون الشمس فوق سائر الكواكب أو تحتها ؛ لأن الشمس لا تنكسف بشيء منها لاضمحلال أضوائها في ضوء الشمس ، فسقط هذا الطريق بالنسبة إلى الشمس .
الثاني : اختلاف المنظر فإنه محسوس للقمر وعطارد والزهرة ، وغير محسوس للمريخ والمشتري وزحل ، وأما في حق الشمس فقليل جدا ، فوجب أن تكون الشمس متوسطة بين القسمين ، وهذا الطريق بين جدا لمن اعتبر اختلاف منظر الكواكب ، وشاهده على الوجه الذي حكيناه ، فأما من لم يمارسه ، فإنه يكون مقلدا فيه ، لا سيما وأن أبا الريحان وهو أستاذ هذه الصناعة ذكر في تلخيصه لفصول الفرغاني أن اختلاف المنظر لا يحس به إلا في القمر .
الثالث : قال
بطليموس : إن زحل والمشتري والمريخ تبعد عن الشمس في جميع الأبعاد ، وأما عطارد والزهرة فإنهما لا يبعدان عن الشمس بعد التسديس ، فضلا عن سائر الأبعاد ، فوجب كون الشمس متوسطة بين القسمين ، وهذا الدليل ضعيف ، فإنه منقوض بالقمر ، فإنه يبعد عن الشمس كل الأبعاد ، مع أنه تحت الكل .