1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة البقرة
  4. قوله تعالى وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا
صفحة جزء
المسألة الثالثة : معنى الآية : أن الله تعالى أمرهم بأن يتبعوا ما أنزل الله من الدلائل الباهرة فهم قالوا : لا نتبع ذلك ، وإنما نتبع آباءنا وأسلافنا ، فكأنهم عارضوا الدلالة بالتقليد ، وأجاب الله تعالى عنهم بقوله : ( أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الواو في " أولو " واو العطف ، دخلت عليها همزة الاستفهام المنقولة إلى معنى التوبيخ والتقريع ، وإنما جعلت همزة الاستفهام للتوبيخ ؛ لأنها تقتضي الإقرار بشيء يكون الإقرار به فضيحة ، كما يقتضي الاستفهام الإخبار عن المستفهم عنه .

المسألة الثانية : تقرير هذا الجواب من وجوه :

أحدها : أن يقال للمقلد : هل تعترف بأن شرط جواز تقليد الإنسان أن يعلم كونه محقا أم لا ؟ فإن اعترفت بذلك لم نعلم جواز تقليده إلا بعد أن تعرف كونه محقا ، فكيف عرفت أنه محق ؟ وإن عرفته بتقليد آخر لزم التسلسل ، وإن عرفته بالعقل فذاك كاف ، فلا حاجة إلى التقليد ، وإن قلت : ليس من شرط جواز تقليده أن يعلم كونه محقا ، فإذن قد جوزت تقليده ، وإن كان مبطلا فإذن أنت على تقليدك لا تعلم أنك محق أو مبطل .

وثانيها : هب أن ذلك المتقدم كان عالما بهذا الشيء إلا أنا لو قدرنا أن ذلك المتقدم ما كان عالما بذلك الشيء قط وما اختار فيه البتة مذهبا ، فأنت ماذا كنت تعمل ؟ فعلى تقدير أن لا يوجد ذلك المتقدم ولا مذهبه كان لا بد من العدول إلى النظر فكذا ههنا .

وثالثها : أنك إذا قلدت من قبلك ، فذلك المتقدم كيف عرفته ؟ أعرفته بتقليد أم لا بتقليد ؟ فإن عرفته بتقليد لزم إما الدور وإما التسلسل ، وإن عرفته لا بتقليد بل بدليل ، فإذا أوجبت تقليد ذلك المتقدم وجب أن تطلب العلم بالدليل لا بالتقليد ؛ لأنك لو طلبت بالتقليد لا بالدليل ، مع أن ذلك المتقدم طلبه بالدليل لا بالتقليد كنت مخالفا له ، فثبت أن القول بالتقليد يفضي ثبوته إلى نفيه فيكون باطلا .

المسألة الثالثة : إنما ذكر تعالى هذه الآية عقيب الزجر عن اتباع خطوات الشيطان ، تنبيها على أنه لا فرق بين متابعة وساوس الشيطان ، وبين متابع التقليد ، وفيه أقوى دليل على وجوب النظر والاستدلال ، وترك التعويل على ما يقع في الخاطر من غير دليل ، أو على ما يقوله الغير من غير دليل .

المسألة الرابعة : قوله : ( لا يعقلون شيئا ) لفظ عام ، ومعناه الخصوص ؛ لأنهم كانوا يعقلون كثيرا من أمور الدنيا ، فهذا يدل على جواز ذكر العام مع أن المراد به الخاص .

المسألة الخامسة : قوله : ( لا يعقلون شيئا ) المراد أنهم لا يعلمون شيئا من الدين ، وقوله تعالى : ( ولا يهتدون ) المراد أنهم لا يهتدون إلى كيفية اكتسابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية