المسألة الثانية : احتج الأصحاب على أن الرزق قد يكون حراما بقوله تعالى : (
من طيبات ما رزقناكم ) فإن الطيب هو الحلال ، فلو كان كل رزق حلالا لكان قوله : (
من طيبات ما رزقناكم ) معناه من محللات ما أحللنا لكم ، فيكون تكرارا وهو خلاف الأصل ، أجابوا عنه بأن
الطيب في أصل اللغة عبارة عن المستلذ المستطاب ، ولعل أقواما ظنوا أن التوسع في المطاعم والاستكثار من طيباتها ممنوع منه . فأباح الله تعالى ذلك بقوله : كلوا من لذائذ ما أحللناه لكم ، فكان تخصيصه بالذكر لهذا المعنى .
المسألة الثالثة : قوله : (
واشكروا لله ) أمر : وليس بإباحة ، فإن قيل : الشكر إما أن يكون بالقلب أو باللسان أو بالجوارح ، أما بالقلب فهو إما العلم بصدور النعمة عن ذلك المنعم ، أو العزم على تعظيمه باللسان وبالجوارح ، أما ذلك العلم فهو من لوازم كمال العقل ، فإن العاقل لا ينسى ذلك ، فإذا كان ذلك العلم ضروريا فكيف يمكن إيجابه ؟
وأما العزم على تعظيمه باللسان والجوارح فذلك العزم القلبي مع الإقرار باللسان والعمل بالجوارح ، فإذا بينا أنهما لا يجيبان كان العزم بأن لا يجب أولى .
وأما
الشكر باللسان فهو إما أن يقر بالاعتراف له بكونه منعما أو بالثناء عليه فهذا غير واجب بالاتفاق بل هو من باب المندوبات .
وأما
الشكر بالجوارح والأعضاء فهو أن يأتي بأفعال دالة على تعظيمه ، وذلك أيضا غير واجب . وإذا ثبت هذا فنقول : ظهر أنه لا يمكن القول بوجوب الشكر قلنا : الذي تلخص في هذا الباب أنه يجب عليه اعتقاد كونه مستحقا للتعظيم وإظهار ذلك باللسان أو بسائر الأفعال إن وجدت هناك تهمة .