النوع الثاني : من الكلام في هذه الآية المسائل الفقهية التي استنبطها العلماء منها وهي مرتبة على فصول :
الفصل الأول
فيما يتعلق بالميتة
والكلام فيه مرتب على مقدمة ومقاصد :
أما المقدمة : ففيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في أن
التحريم المضاف إلى الأعيان ، هل يقتضي الإجمال ؟ فقال
الكرخي : إنه يقتضي الإجمال ؛ لأن الأعيان لا يمكن وصفها بالحل والحرمة ، فلا بد من صرفهما إلى فعل من أفعالنا فيها ، وليست جميع أفعالنا فيها محرمة ؛ لأن تبعيدها عن النفس وعما يجاوز المكان فعل من الأفعال فيها ، وهو غير محرم ، فإذن لا بد من صرف هذا التحريم إلى فعل خاص ، وليس بعض الأفعال أولى من بعض فوجب صيرورة الآية مجملة ، وأما أكثر العلماء فإنهم أصروا على أنه ليس من المجملات ، بل هذه اللفظة تفيد في العرف حرمة التصرف في هذه الأجسام ، كما أن الذوات لا تملك وإنما يملك التصرفات فيها ، فإذا قيل : فلان يملك جارية فهم كل أحد أنه يملك التصرف فيها فكذا هنا ، وقد استقصينا الكلام فيه من كتاب المحصول في علم الأصول .
المسألة الثانية : لما ثبت الأصل الذي قدمناه وجب أن تدل الآية على حرمة جميع التصرفات إلا ما أخرجه الدليل المخصص ، فإن قيل : لم لا يجوز تخصيص هذا التحريم بالأكل ، والذي يدل عليه وجوه :
أحدها : أن المتعارف من تحريم الميتة تحريم أكلها .
وثانيها : أنه ورد عقيب قوله : (
كلوا من طيبات ما رزقناكم ) .
وثالثها : ما روي عن الرسول عليه السلام في خبر شاة
ميمونة ، إنما
حرم من الميتة أكلها .
والجواب عن الأول : لا نسلم أن المتعارف من تحريم الميتة تحريم أكلها .
وعن الثاني : أن هذه الآية مستقلة بنفسها فلا يجب قصرها على ما تقدم ، بل يجب إجراؤها على ظاهرها .
وعن الثالث : أن
ظاهر القرآن مقدم على خبر الواحد ، لكن هذا إنما يستقيم إذا لم يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد ، ويمكن أن يجاب عنه بأن المسلمين إنما رجعوا في معرفة وجوه الحرمة إلى هذه الآية ، فدل انعقاد إجماعهم على أنها غير مخصوصة ببيان حرمة الأكل ، وللسائل أن يمنع هذا الإجماع .