(
ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ) .
قوله تعالى : (
ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ) .
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في أن قوله : (
ذلك ) إشارة إلى ماذا ؟ فذكروا وجهين :
الأول : أنه إشارة إلى ما تقدم من الوعيد ؛ لأنه تعالى لما حكم على الذين يكتمون البينات بالوعيد الشديد ، بين أن ذلك الوعيد على ذلك الكتمان إنما كان لأن الله نزل الكتاب بالحق في صفة
محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن هؤلاء
اليهود والنصارى لأجل مشاقة الرسول يخفونه ويوقعون الشبهة فيه ، فلا جرم استحقوا ذلك الوعيد الشديد ، ثم قد تقدم في وعيدهم أمور :
أحدها : أنهم اشتروا العذاب بالمغفرة .
وثانيها : اشتروا الضلالة
[ ص: 29 ] بالهدى .
وثالثها : أن لهم عذابا أليما .
ورابعها : أن الله لا يزكيهم .
وخامسها : أن الله لا يكلمهم . فقوله : (
ذلك ) يصلح أن يكون إشارة إلى كل واحد من هذه الأشياء ، وأن يكون إشارة إلى مجموعها .
الثاني : أن (
ذلك ) إشارة إلى ما يفعلونه من جراءتهم على الله في مخالفتهم أمر الله ، وكتمانهم ما أنزل الله تعالى ، فبين تعالى أن ذلك إنما هو من أجل أن الله نزل الكتاب بالحق ، وقد نزل فيه أن هؤلاء الرؤساء من
أهل الكتاب لا يؤمنون ولا ينقادون ، ولا يكون منهم إلا الإصرار على الكفر ، كما قال : (
إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) [ البقرة : 6 ] .
المسألة الثانية : قوله : (
ذلك ) يحتمل أن يكون في محل الرفع أو في محل النصب ، أما في محل الرفع بأن يكون مبتدأ ، ولا محالة له خبر ، وذلك الخبر وجهان :
الأول : التقدير ؛ ذلك الوعيد معلوم لهم بسبب أن الله نزل الكتاب بالحق ، فبين فيه وعيد من فعل هذه الأشياء فكان هذا الوعيد معلوما لهم لا محالة .
الثاني : التقدير : ذلك العذاب بسبب أن الله نزل الكتاب وكفروا به ، فيكون الباء في محل الرفع بالخبرية ، وأما في محل النصب فلأن التقدير : فعلنا ذلك بسبب أن الله نزل الكتاب بالحق وهم قد حرفوه .