أما القائلون بأن الآية منسوخة فيتوجه تفريعا على هذا المذهب أبحاث :
البحث الأول : اختلفوا في أنها بأي دليل صارت منسوخة ؟ وذكروا وجوها :
أحدها : أنها صارت منسوخة بإعطاء الله تعالى أهل المواريث كل ذي حق حقه فقط . وهذا بعيد ؛ لأنه لا يمتنع مع قدر من الحق بالميراث وجوب قدر آخر بالوصية ، وأكثر ما يوجبه ذلك التخصيص لا النسخ بأن يقول قائل : إنه لا بد وأن تكون منسوخة
[ ص: 54 ] فيمن لم يخلف إلا الوالدين من حيث يصير كل المال حقا لهما بسبب الإرث فلا يبقى للوصية شيء إلا أن هذا تخصيص لا نسخ .
وثانيها : أنها صارت منسوخة بقوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011746ألا لا وصية لوارث " وهذا أقرب ، إلا أن الإشكال فيه أن هذا خبر واحد فلا يجوز نسخ القرآن به ، وأجيب عن هذا السؤال بأن هذا الخبر وإن كان خبر واحد إلا أن الأئمة تلقته بالقبول فالتحق بالمتواتر .
ولقائل أن يقول : يدعى أن الأئمة تلقته بالقبول على وجه الظن أو على وجه القطع ، والأول مسلم إلا أن ذلك يكون إجماعا منهم على أنه خبر واحد ، فلا يجوز نسخ القرآن به ، والثاني ممنوع ؛ لأنهم لو قطعوا بصحته مع أنه من باب الآحاد لكانوا قد أجمعوا على الخطأ وأنه غير جائز .
وثالثها أنها صارت منسوخة بالإجماع ،
والإجماع لا يجوز أن ينسخ به القرآن ؛ لأن الإجماع يدل على أنه كان الدليل الناسخ موجودا إلا أنهم اكتفوا بالإجماع عن ذكر ذلك الدليل .
ولقائل أن يقول : لما ثبت أن في الأمة من أنكر وقوع هذا النسخ فكيف يدعى انعقاد الإجماع على حصول النسخ ؟
ورابعها : أنها صارت منسوخة بدليل قياسي وهو أن نقول : هذه الوصية لو كانت واجبة لكان عندما لم توجد هذه الوصية وجب أن لا يسقط حق هؤلاء الأقربين قياسا على الديون التي لا توجد الوصية بها ، لكن عندما لم توجد الوصية لهؤلاء الأقربين لا يستحقون شيئا ، بدليل قوله تعالى في آية المواريث : (
من بعد وصية يوصي بها أو دين ) [ النساء : 11 ] وظاهر الآية يقتضي أنه إذا لم تكن وصية ولا دين ، فالمال أجمع مصروف إلى أهل الميراث . ولقائل أن يقول :
نسخ القرآن بالقياس غير جائز والله أعلم .