أما قوله تعالى : (
فأصلح بينهم ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا المصلح من هو ؟ الظاهر أنه هو الوصي الذي لا بد منه في الوصية ، وقد يدخل تحته الشاهد ، وقد يكون المراد منه من يتولى ذلك بعد موته من وال أو ولي أو وصي ، أو من يأمر بالمعروف . فكل هؤلاء يدخلون تحت قوله تعالى : (
فمن خاف من موص )
إذا ظهرت لهم أمارات الجنف والإثم في الوصية ، أو علموا ذلك ، فلا وجه للتخصيص في هذا الباب ، بل الوصي والشاهد أولى بالدخول تحت هذا
[ ص: 58 ] التكليف وذلك ؛ لأن بهم تثبت الوصية ، فكان تعلقهم بها أشد .
المسألة الثانية : لقائل أن يقول : الضمير في قوله : (
فأصلح بينهم ) لا بد وأن يكون عائدا إلى مذكور سابق فما ذلك المذكور السابق ؟
وجوابه : أن لا شبهة أن المراد بين أهل الوصايا ؛ لأن قوله : (
من موص ) دل على من له الوصية فصار كأنهم ذكروا فصلح أن يقول تعالى : ( فأصلح بينهم ) كأنه قال : فأصلح بين أهل الوصية ، وقال القائلون : المراد فأصلح بين أهل الوصية والميراث ، وذلك هو أن
يزيد الموصي في الوصية على قدر الثلث ، فالمصلح يصلح بين أهل الوصايا والورثة في ذلك ، وهذا القول ضعيف من وجوه :
أحدها : أن لفظ الموصي إنما يدل على أهل الوصية لا على الورثة .
وثانيها : أن
الجنف والإثم لا يدخل في أن يوصي بأكثر من الثلث ؛ لأن ذلك لما لم يجز إلا بالرضا صار ذكره كلا ذكر ، ولا يحتاج في إبطاله إلى إصلاح ؛ لأنه ظاهر البطلان .