أما قوله تعالى : (
فلا إثم عليه ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : لقائل أن يقول : هذا المصلح قد أتى بطاعة عظيمة في هذا الإصلاح وهو يستحق الثواب عليه ، فكيف يليق به أن يقال : فلا إثم عليه .
وجوابه من وجوه :
الأول : أنه تعالى لما ذكر إثم المبدل في أول الآية ، وهذا أيضا من التبديل بين مخالفته للأول ، وأنه لا إثم عليه ؛ لأنه رد الوصية إلى العدل .
والثاني : لما كان المصلح ينقص الوصايا وذلك يصعب على الموصى له ويوهم فيه إثما أزال الشبهة وقال : (
فلا إثم عليه ) .
والثالث : بين أن بالوصية والإشهاد لا يتحتم ذلك ، وأنه متى غير إلى الحق وإن كان خالف الوصية فلا إثم عليه ، وإن حصل فيه مخالفة لوصية الموصي وصرف لماله عمن أحب إلى من كره ؛ لأن ذلك يوهم القبح ، فبين الله عز وجل أن ذلك حسن لقوله : (
فلا إثم عليه ) .
والرابع : أن الإصلاح بين الجماعة يحتاج فيه إلى الإكثار من القول ، ويخاف فيه أن يتخلله بعض ما لا ينبغي من القول والفعل ، فبين تعالى أنه لا إثم على المصلح في هذا الجنس إذا كان قصده في الإصلاح جميلا .
المسألة الثانية : دلت هذه الآية على جواز
الصلح بين المتنازعين إذا خاف من يريد الصلح إفضاء تلك المنازعة إلى أمر محذور في الشرع .